وحاول أن يحدد دائرته، ثم عرض لمنهجه في البحث مبيناً أنه اصطنع فيه خطتين: الأولى خطة التاريخ والثانية خطة الفن. ثم استعرض الأبواب التاريخية التي يضمها الكتاب الأول على منهج جديد في التاريخ أسماه المنهج الجماعي وفرق بينه وبين المنهج الاجتماعي، وأغلب الظن أنه قصد به إلى تتبع جماعة الهلالية في نشأتها وعلاقاتها بالطبيعة من ناحية، وبالجماعات الأخرى المخالفة أو المخاصمة لها من ناحية أخرى، كما سار وإياهم في مدارج حياتهم بموطنهم الأول في جزيرة العرب ومواطنهم الجديدة في سائر ربوع العالم العربي حتى هبطوا مصر وصعدوا إلى بلاد المغرب. ولم يقف جهد الباحث عند مجرد التاريخ أو التتبع، وإنما حاول أن يفسره ليتبين المنازع النفسية التي كان الهلالية يصدرون عنها في أعمالهم مجتمعين ومتفرقين.
وانتقل في الكتاب الثاني إلى دراسة النص الأدبي على المنهج الذي عرف به صاحب البحث في النقد، فعرف بالنص الأدبي، ولخص سيرة بني هلال المشهورة على طولها وتعدد مشاهدها واختلاط البيئات واللهجات التي أثرت فيها، مفرقاً بين الأدب المدون والأدب غير المدون، وتعرض لأبحاث العلماء المستشرقين في تاريخ هذه السيرة والنصوص والروايات التي أوردها المشارقة؛ ثم تأمل السيرة نفسها ليضعها في مكانها من فنون الأدب كما وازن بين واقع التاريخ وما ورد فيها. وختم البحث بدراسة مستفيضة عن المجتمع المصري وتفاعله مع هذه السيرة الشعبية واتخذها وسيلة من وسائله في التعبير عن شخصيته، وحلل أثرها في الريف المصري وفي العاصمة المصرية، ودعا إلى العناية بالتراث المصري جملة وتفصيلاً.
وما أريد أن أتعرض لما حدث بعد ذلك في المناقشة ولا في طول الوقت الذي استغرقته، ولكن الشيء الذي لم يكن يتوقعه أحد هو أن يهم أحد حضرات الأساتذة الإجلاء بالانسحاب، لا لخلاف بينه وبين الباحث، ولكن لأن رئيس الجلسة قاطعه بعبارة عدها تدخلاً؛ وكانت هذه الحركة من الانسحاب والاعتذار والعودة هي التي أثارت حماس الجموع ونشرت جواً عصبياً على الجلسة كلها. ولم نكن نصدق ما ذاع هنا وهناك من أن خلافاً في الرأي - ولا أقول في المصالح - بين أساتذة الجامعة يلون علاقاتهم بطلابهم، ويطبع أحكامهم في العلم وفي غيره بطابع الفرقة والانقسام، حتى كان من سوء حظنا وحظ