آن واحد، وأحس، وهو يضطرب بين خواطره وحاجاته بأن يداً تربت على كتفه في رفق، فنظر فإذا حسنيه إلى جانبه تلصق به وهي تبتسم في تراخ وتكسر فشعر بالدفء يتدفق في أوصاله مبعثاً من شباب الفتاة ومن أنوثتها، كان تياراً عنيفاً من الكهرباء يسري في دمه فهفا نحوها في شوق، وحبا إليها في حنان، ولصق جسم بجسم، واقتربت شفة من شفة ولكن الفتاة ما لبثت أن طارت من بين يديه وهي تناديه في همس. وداعاً. . . وداعاً، يا حبيبي، وانغمر الفتى في أمواج من الأسى والشوق حين رأى الفتاة تنفلت فتتوارى في ظلام الدار، وتذره وحده يعيش بالذكرى.
ومضت ثلاث سنوات فإذا الفتاة أم طفلين، ولكنها لم ترتدع عن أن تستمتع برفقة صاحبها - ابن زوجها، عز الدين أثناء عطلة الصيف من كل عام، فهي تجذبه إليها في قسوة، تسيطر على خواطره في عنف، وهو في عمى عن الهاوية التي يوشك أن يتردى فيها بحمقه وجهله.
لقد أحست الأنثى بالشباب فكرهت الشيخوخة، واستشعرت المرح فأبغضت الرزانة، ولمست القوة فامتهنت الضعف. واضطرت نفسها بفكرة واحدة سلبتها الهدوء والقرار: ليتها تستطيع أن تفزع عن هذه الدار لتعيش بين ذراعي فتى في مثل سنها!
وأسدل الطيش على عقل الفتى ستاراً كثيفاً من الغباء فغم الأمر عليه فنسى أنه يقترف جريمة شنعاء تنكرها الإنسانية ويمجها العقل، حين يستخذى للشيطان فيقتات على حق أبيه يريد أن يستلبه قلب زوجه وأن يسطو على شرفه وكرامته في غير روية ولا عقل، ونسيت الفتاة أنها ترتدغ في أعظم حماقة سولتها نفس أثنىلأنها تبذر غراس الكراهية والشقاق بين الأب والابن. ولكن للشيطان مآرب ينفذ منها إلى القلوب فيطم على النوازع الإنسانية لتتأرث منها الحيوانية الجامحة فحسب
واطمأنت الفتاة إلى فتاها، فجلست إليه - ذات ليلة - توسوس له وتغيره عن إنسانيته وتختله من رجولته، فقالت تحدثه (. . . وأنت ترى أن أباك يضرب بيني وبينك بحجاب ما كان لك أن تظهره لولا حيلة احتالها أو علة أتعلل بها، وهو يضيق علينا الخناق فأشعر كأن الدار سجن يضمني بين جدارنه ضمات قاسية توشك أن تقضقض عظامي) فقال الفتى (آه ليتني أجد فرجة أنفذ منها فأزيح هذا الستار، ولكنني كما ترييني عاجز اليد واللسان)