ولم يكن شغفه باللغات الأجنبية دون شغفه بعلم الجغرافية. وشعر بميل خاص إلى اللغة العربية لانتشارها في بلدان كثيرة من قارتي آسيا وأفريقيا فأكب على دراستها في مجموعة عربية وقعت له في مكتبة بلدية أوديني. ولما تبين ذووه رغبته هذه اهدوا إليه أجرومية في العربية الدارجة ألفها بالإيطالية جوزيه سابيتو. وكان مؤلف ذلك الكتاب مرسلا وجغرافيا معا طاف بلاد الحبشة والمستعمرات الإيطالية الواقعة على البحر الأحمر وعلم العربية في مدرسة فيرنزة العالية ثم في جنوى برغم أنه كان أعرف بالعربية العامية منها بالفصحى. ولكن الشاب نالينو استعان بهذا الكتاب السقيم كما استعان بغيره من الكتب التي كانت تصل إليها يده حتى قطع بكده وثاقب فكره شوطا بعيدا في معرفة اللغة العربية وأصبح قادرا على تفهم النصوص الصعبة قبل أن تفتح له الجامعة أبوابها.
وبينما كان مكبا على درس العربية عكف على دراسة أختيها السريانية والعبرية اللتين تعمق فيهما تعمقه في العربية.
وفي سنة ١٨٩٩ رشح نفسه لدخول فرع الآداب في كلية تورينو لوجود كرسي فيها للدروس الشرقية يتولاها عالمان شهيران أحدهما ايطالو بينري الذي لم يحل تخصصه في الدروس الفارسية دون إلمامه بالعربية إلى حد أن اصدر مؤلفا في آدابها. وعلى يده تضلع نالينو من العربية وظل حياته كلها حافظا جميله. على أن ميله للأبحاث الجغرافية كان يحفزه للتتلمذ على أحد أساتذة هذا العلم المشهورين بتفوقهم وهو جويدي كورا صاحب مجلة الكوزموس العلمية وأستاذ الجغرافية في كلية تورينو ثم في كلية روما.
وكانت باكورة ميله المزدوج إلى العلوم العربية وعلم الجغرافية إصداره في العام الأخير من دراسته أول تأليف في هذه الأبحاث نشره له أستاذه جويدي في مجلته تحت هذا العنوان:(قياس العرب درجة من قوس نصف النهار وتعديلها بالمقاس المتري) وفي مستهل المقال يخبرنا أنه فرغ من تأليفه سنة ١٨٩٠ ولكن نشره تأخر عامين بسبب اضطراره إلى الإقامة في موناكو لفحص المخطوطات العربية في مكتبتها الملكية وإعداد برنامج استغرق عمله فيه بضعة اشهر. وفي هذه الرواية ما يدل على مبلغ تضلع هذا الفتى من العربية إلى حد أن يطالع وينتقد من نصوصها ما يتعذر فهمه حتى على المحنكين في حين أنه لم يكن إذ ذاك قد جاوز الثامنة عشرة.