وهذه الباكورة الناضجة من تآليف نالينو نمت برغبته في التخصيص في الأبحاث الجغرافية والفلكية وما إليها عند العرب. وقد خصص لهذا القصد عدة مقالات نشرها في مجلة الكوزموس، منها مقالة ضافية في خمسين صفحة كبيرة ذات أهمية بالغة في تاريخ الجغرافية عندنا عنوانها:(الخوارزمي وتجديد جغرافية بطليموس عند العرب) وذلك على إثر تناوله بالدرس العميق الدقيق نسخة خطية وحيدة عثر عليها في مكتبة ستراسبروغ من كتاب صورة الأرض للخوارزمي. ومما يجدر ذكره في هذا الصدد أن الدقة في البحث وحرية النقد كانتا مألوفتين على الأخص في زمن المأمون في حين أن العرب كانوا يومئذ في بدء نشأتهم العلمية ولبطليموس عندهم منزلة رفيعة تحيط اسمه بهالة من الإجلال والاحترام، لا بل إنهم كانوا ينظرون إلى علمه ومعارفه الفلكية نظرهم إلى الخوارق أو الأعاجيب.
وفي هذه المقالة كما فيما كتبه سواها قبل أن يبلغ الخامسة والعشرين اظهر نالينو من القدرة العلمية في الحساب والهيئة وقراءة المخطوطات العويصة ما حدا العالمين سكابارللي - المستعرب منهما والفلكي - إلى تحميله سنة ١٨٩٤ مسؤولية استبهظها علماء طائر والصيت يفوقونه سنا هي إشرافه على طبع اجل المخطوطات العربية في عم الفلك وهو كتاب الزبج الصابئ للبتاني ومؤلفه أبو عبد الله محمد بن ثابت بن سنان بن جابر الحراني أزهر في أواخر القرن التاسع واوائل العاشر إبان بلوغ الحضارة العربية أوج مجدها. وكتابه أس من أسس علم الهيئة لا عند العرب فحسب بل في الغرب أيضاً حيث ترجم إلى اللاتينية وانتشر واشتهر حتى أصبح الدستور الذي يمشي عليه هذا العلم في أوروبا المسيحية حتى عهد البحث أو التجديد. ولم تأفل شمسه إلا بعد تغلب نظرية كوبرنيكوس على معتقد الفلكيين الأقدمين.
وأقبل نالينو بملء الارتياح على هذا العمل وهو أعلم الناس بما سيعترض سبيله من المشاق فتوجه سنة ١٨٩٤ إلى مدريد لكي يطلع على النسخة الوحيدة المعروفة لهذا الكتاب في مكتبة الاسكوريال ولكنه ما عتم أن رجع إلى نابولي لكي يمهد لقيامه بتلك المهمة على الوجه الأكمل، وذلك بدخوله كليتها الجامعة لكي يدرس فيها أصول علم الفلك فيعد نفسه لمجابهة المشاكل التي لا بد أن تعرض له في كتابه هذا خصوصا ما استعصى منها في