للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن تشق طريقها فتعلو وتنخفض بفعل الأمواج. وهذا هو الرقص الذي يريده الشاعر. ولا ريب في أن التوفيق قد أخطأه. والسفينة لا تميل تيها وكبرا، إنما تميل ضعفا وعجزا، وتكون عرضة للغرق بنم فيها.

ونسي الشاعر الجنود الذين في هذه السفن. ولو أنه خلع من بأس هؤلاء العساكر وقوتهم صورة للسفن فيها روعة وجبروت وعزة لكان ذلك أنسب للمقام، ولا سيما أن الممدوح ذهب للقتال والنضال. فتصوير السفن بالنساء المتحجبات لا يتلاءم مع الجو الحماسي الذي ينبغي أن يخلق في هذه الحال. على أن الساعاتي قد أجاد وصف هذه السفن في قصيدة أخرى حيث يقول:

وشقت لهم صدر العباب سفائن ... بدت كالجبال تحتها البحر أزبدا

رمتهم بأمثال الصواعق أضرمت ... فكاد بها الدأماء أن يتوقدا

ففي هذين البيتين ترى صورة مرعبة مخيفة. وهي من غير شك مناسبة لمقام الحرب. وللساعاتي أبيات في وصف بعض السفن البخارية التي كان يملكها سعيد باشا، ومنها:

وقلاعها مثل القلاع شواهق ... تحت البنود ومشيها خيلاء

وقد أتى في هذه الأبيات بما يتفق مع الطابع العسكري الذي اتسمت به الزحلة السعيدية إلى الأقطار الحجازية.

وقال:

طارت بنا نحو الحديدة سرعة ... مثل السوابق في العجاج الأكدر

حملت لها جيشا منذ انتبذت به ... غربيها وضعت أسود العسكر

من كل مولود لديها لم يزل ... في النقع يلعب بالحسام الأبتر

بعد أن شبه السفن بالنساء ترقص وتميل استطرد فصورها حينما طارت نحو الحديدة بالخيول العوابس الجبارة.

وفي هذا تناقض بين صورة النساء المتحجبات وبين الخيول العوابس. وفي البيت الثاني نظر الشاعر إلى قصة مريم. فشبه السفن بالنساء الحوامل. فلما وضعت جاءت مواليدها أسوداء. وصورة الحمل والوضع من الصور الضعيفة. وخير من هذا قوله:

رمتهم بأمثال الصواعق أضرمت ... فكاد بها الدأماء أن يتوقدا

<<  <  ج:
ص:  >  >>