للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قرأته له من قبل قد هزني، ولعل ذلك - أي قلة القراءة - يرجع إلى انزواء الشاعر في العشرين السنة الأخيرة أو إقلاله من النشر، ويبدو لي كأنه منطويا على نفسه لما لاقاه من أخلاق الناس وعنت الأيام. وهو يعبر عن مكافحته في الحياة، وبصور حياة الكفاح الشعوري التي عاشها، أقوى تعبير وأصدق تصوير كم رأيت في الأبيات المتقدمة التي رثى بها نفسه وبعدها يقول:

أبي وفي النار مثوى كل والدة ... ووالد أنجبا للبؤس أمثالي

خلفتني فوضعت الحبل في عنقي ... تشده كف دهر جد ختال

ما ضرك لو من غير صاحبة ... قضيت عمرك شأن الزاهد السالي

وهو يقول في قصيدة (قلب الفنان)

أمشي وقلبي على كفي أقول ألا ... من راغب في فؤاد صادق حاني

يحب حتى كأن الأرض ليس بها ... إلا زنابق من آس وسوسان

وليس في الأرض من بغض ولا إحن ... وليس في الأرض ظلم وطغيان

وليس من فوقها إلا سواسية ... من الصحاب ومن أخدان أخدان

فلا وربك هذا القلب ما التفتت ... عين إليه فيا للبائس العاني

وفي هذه الأبيات نرى نزعته الإنسانية الصافية، فهو على رغم ما يكابده من الحرمان والنكران يحب، متخيلا أن الأرض كلها روض جميل، وأن الناس يعيشون عليها إخوانا متحابين لا يبغي بعضهم على بعض، وهو يحب ولو أن عينا لا تلتفت إلى قلبه البائس الحاني.

ومن النزاع بين نفسه المتفتحة للحياة وبين الحياة العابسة له قوله:

أحب أضحك للدنيا فيمنعني ... أن عاقبتني على بعض ابتساماتي

هاج الجواد فعضته شكيمة ... شلت أنامل صناع الشكيمات

وهو يبتكر البكاء فيقول في آخر قصيدة (وقفة الوداع)

تعلم يا هزار الروض مني ... أنا لحن النواح ولا فخارا

غيري من يقلد حين يبكي ... ولكني أنا الباكي ابتكار

ولا تستطيع ضرورات الحياة التي يجاهد من اجلها هذا الشاعر أن تحول بينه وبين التغريد

<<  <  ج:
ص:  >  >>