للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والتغني بالجمال، يقول في قصيدة (جمال مصر)

جمالك يا بنت مصر كمصر ... يجمع كل فنون الجمال

ففي مصر حلي النسيم اعتدال ... وفيك يحلى القوام اعتدال

وفيك من الشمس حسن الصقال ... وبعد المنال وبذل النوال

وفيك السهول وفيك الربا ... وعنف الشمول ولطف الشمال

تباركت يا نيل هذا جناك ... وهذي المخايل من ذي الخلال

بل حتى فيما يعبر به عن آلامه تغلب عليه روح التطلع إلى الحب والخير والجمال كما رأيت في أبياته السابقة. وهذا وذاك ومجرد قوله الشعر، يدل على أصالة هذه الشاعرية وقوة بذرتها وعمق جذورها، فهي كنبتة الصحراء تنبت قوية رغم الجفاف وحرمان التعهد، ثم تعيش رغم ما يصطلح عليها من الأنواء.

وقد أكسبه عراك الحياة والاحتكاك بالقساة من الناس الذين لا يصدرون إلا عن الأهواء والأغراض - أكسبه ذلك نفوذ بصيرة إلى دخائل النفوس، فتغلغل إليها بأداته الشاعرة، يقول تحت عنوان (جاء):

لا تلمه إن لم يعنك بجاه ... هو قد باع نفسه واقتناه

فحرام إن باعه دون ربح ... أو بشيء أقل مما اشتراه

وكم هو ظريف في قوله:

أخي قل لي ولا تخجل ... بماذا قد ترقيت؟

وما أنت بذي جاه ... وعمرك ما تزوجت!

أما بعد فما مكان هذا الشاعر بين شعراء هذا العصر، وما هي مدرسته، وما هو مذهبه؟ أسئلة يرددها النقاد ويلحون بها على الشعراء، ويطيلون النظر فيما وراءها. ولكن أبا الوفا لا يلتفت إلى شيء من ذلك، فهو يدع النقاد، عليه أن يقول وعليهم أن يسلكوا قوله فيما (يمذهبون) من المذاهب، كما كان الشعراء يقولون للنحويين: إنا نقول وعليكم أن تعربوا. وكأني بشاعرنا لا يعتد إلا بأمرين هما قوام الشعر فيما أرى:

الأول خصب الشعور وصدقه، والثاني اكتمال الأداة. وقد اجتمعا له فأنتجا ما نحسه في شعره من النبض والجمال، وحسبه أن صور حياته تصويرا يطل منه الفكر اللماح وتنبعث

<<  <  ج:
ص:  >  >>