للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحديقة ذلك البستان الذي كنت أعهده هناك قديما، بل غدت خليطا (بورجوازيا) من السلال والخضرة، ومساقط الماء، وصور لهذا كله تنعكس على كرة معدنية تتأرجح أمام الدرج. وفي هذه الكرة، بدت الممرات صفوف من الأزهار الزاهية، وأمتد شكلان في كثير من المبالغة والتهويل، رجل سمين أحمر، غارق في عرق غزير، غائص في كرسي من كراسي النزهة الخلوية؛ وسيدة ضخمة لاهثة الأنفاس، تصبح وهي تطوح مسقاة بيدها.

- لقد دفعت ثمنا للبلسمين أربعة عشر!

وكانوا قد شيدوا طابقا، وجددوا السياج، وفي هذا الركن الصغير المستطرف، الذي ما زالت تفوح منه رائحة الطلاء، كان (بيانو) يعزف ملء الريح مقطوعات صاخبة مبتذلة وألحانا جذلة مما تردده جلبات الرقص العامة. وهذه الأنغام الراقصة التي كانت تنطلق إلى الطريق نابضة حارة، مختلطة بقتام بوليه الكثيب، وعجيج تلك الأزهار الضخمة، والسيدات الضخمة، هذا المرح الغامر الفياض، هذا المرح السوقي المبتذل، كن يقبض قلبي. كنت أفكر في الشيخ المسكين الذي كن يتمشى هنا راضيا وادعا سعيدا، ثم أتمثله في باريس، وقبعة الخوص على رأسه، وحدبة البستاني للعجوز في ظهره، هائما في غور دكان ما، ضيقا بأمره، حبيا، مشحونا بالدموع، بينما تتبوأ زوجة ابنه الظافرة خزانة جديدة، ترف فيها قطع ذهبية هي ثمن البيت الصغير.

أنور لوقا

<<  <  ج:
ص:  >  >>