من الدراسة المتينة وأفادوا من شعره في تاريخ الأدب السياسي، وما هذه المنابع والدوافع إلا عقيدة الشاعر ومذهبه؛ فقد كان دعبل ممن يوالون آل علي ويتعصبون لهم، وقد مدح أحياءهم مدحا قوي العاطفة والإحساس، وبكى شهداءهم بكاء سخي الدموع شديد الحزن، وكان من البديهي أن يقف الشاعر من خصومهم موفقا لا يرضى الخصوم وأن يتعصب لأوليائه ويدافع عنهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فالرشيد قد آذى الإمام الرضا وسجنه وهو من أثمة دعبل، والمأمون يبايع الرضا بولاية العهد ثم ينكل عن هذه البيعة، والمتوكل يغضب الشيعة ويطاردهم حتى في ضريح الإمام الحسين، وإبراهيم بن المهدي يبايعه الناس في بغداد عنادا للمأمون في موقفه الأول من الإمام الرضا، وإبراهيم هو من هو في لهوه ومجونه، وأبو عباد وزير المأمون كان شرس الخلق جافي الطبع. إن من الحق لدعبل - وهو يتولى العلي - أن ينتصف لهم ويدافع عنهم ويندد بخصومهم ولو ناله ما ناله من الأذى والتشريد لأن هذا جزء من عقيدته الدينية ومذهبه. وليس بغريب عليه أن يتعصب لعقيدته ومذهبه ما دام يجد في هذا التعصب لذاته الروحية واطمئنانه النفسي، وما دام يرى العلي أصلح من غيرهم لرعاية دينه وعقيدته وأولى بالحكم من سواهم.
هذه النقطة الدقيقة في تاريخ هذا الشاعر جدن منها لمحة عابرة في كتاب (دعبل الخزاعي) لسماحة العلامة السيد محسن الأمين وهو كتيب صغير ألف في الأيام القريبة وطبع بدمشق.
وكنا نود أن تكون هذه النقطة موضع عناية المؤلف الجليل ولكنه لم يفعل ذلك جريا مع عادته في التأليف إذ أنه يعني بالترجمة وجمع ما تفرق من أخبار المترجم له وتتبع حياته الأدبية والمادية إذا كان للثانية صلة بالأولى دون إطالة في التحليل أو عمق في الدراسة، على أنه لا ينسى أن يمحص الأخبار التي ينقلها عن حياة الشاعر ويطرح الزائف منها وينقد المشكوك فيه ويقارن ويوازن وكثيرا ما يستنبط من الخبر الواحد فوائد كثيرة تدل على ميله إلى التحليل والتعمق، ولكنه ميل قليل بالنسبة لطريقته العامة التي أشرنا إليها والتي تتجلى لنا في هذا الكتيب الصغير الذي جمع فيه معظم ما تحدث به المؤرخون عن دعبل الخزاعي وعن مواقفه من الخلفاء وصلته بهم ومقدار ما ظفر به من إطراء وتنويه بشاعريته. ثم علاقته بآل علي ومدحه إياهم. وفي الكتاب منتخبات كثيرة من شعر دعبل في المديح وفي السياسة، وقصيدته التائبة المشهورة في آل البيت التي يمدحهم بها