والمشاهد، فيكون ذلك منها بمنزلة الإطار من الصورة. يتجلى ذلك في قصته (نظرة إلى شاعر). ففي هذه القصة تراه يرصد الانفعالات النفسية كما تظهر في شخصية شاعر ركب معه القطار الذاهب من مدينة (بون) الألمانية، إلى (كوبلنز) ويسجل مع هذه الانفعالات المختلفة، ما يطرأ على مشاهد الطبيعة من تغير واختلاف، بحيث يجعل من ذلك كله وحدة متناسقة.
وهو ينتقل بشخصياته من جو إلى جو، ومن حال إلى حال، بعد أن تمهد لذلك تمهيدا مناسبا، بحيث يبدو هذا الانتقال طبيعيا ممكنا، لا أثر فيه للتكلف والاستحالة، وهو يقتصد في طريقة عرضه، بحيث يتجنب الحواشي والفضول، كما يقتصد في تعبيره بحيث يخلص في لباقة من الكلام المكرر المألوف إن لك يكن منه بد في موضع من مواضع القصة؛ ففي قصة (قسم) نرى حسينا يسير بعد الغروب في طريق مهجورة، ثم يتنبه فجأة لوقع أقدام تطأ القوام تسير مثله في هذه الطريق. . . فلو أن قصاصا آخر عرض لمثل هذا الموقف في قصة من قصصه، لاستغله كما يشاء، في كلام كثير، وحوار طويل الحس، وينبه الغرائز.
ولكن الأستاذ حسن محمود يكتفي في هذا الموضع بأن يقول:
ارتاحت نفس حين لمنظر هذه الفتاة، فسار إلى أن حاذاها عازما على بأية وسيلة، ولسنا نريد أن نقص كيف بدأ الحديث فإن حسينا لا يذكر كيف كان ذلك، ونحن لا نود أن نفضح سرهما، ولكننا نقول أننا رأيناهما يسيران جنبا إلى جنب، ثم كانا بعد نصف ساعة في سيارة تسير بهما سريعا إلى حيث مسكن الفتاة). وهذا غاية في حسن الإيجاز، وبراعة التخلص.
وللأستاذ حسن محمود ملاحظات صائبة، ينثرها في خلال قصصه وهي ملاحظات تنم عن تجارب كثيرة، وثقافة واسعة، وفهم عميق للحياة.
أما بعد، فقد حلقت في هذه الأجواء حينا من الزمن، فأتاح لي ذلك لذة روحية عميقة، ومتعة نفسية كاملة، فمن واجبي أن أوجه إلى صاحب هذه الأجواء، شكري الخالص لما أتاح لي، ومن واجبي كذلك أن أعبر له عن تقديري الصادق لمقدرته الفنية. وأنا أعلم أنه لن يرضى عما كتبته عنه، تواضعا منه وحياء؛ فقد عرفته جم التواضع، وافر الحياء. ولكن ما ذنبي