للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تكون خاصة به دون سواه من عباد الله، فلا يشاركه فيها أحد ولا يقاسمه إياها إنسان.

والحق أنه من الضروري ألا تكون المبادئ والآراء أبدية أزلية لا يصيبها الكسر والتغير، لأن العقلية المتفتحة والذهن المستنير لا ينقفل أمام شيء كما أن النفسية النشيطة تستطيع أن تفرز في كل مناسبة من الطاقة ما يمهد للهزة الباطنية التي تساعد على التحول من رأي إلى رأي والانتقال من حكمة إلى حكمة. فأهم ما تتصف به الحكمة الشخصية هو المرونة بازاء المظاهر الحيوية. وظاهرة التكيف كما نعلم هي أرفع صفات الإنسان وأخطر المظاهر البشرية ومن هنا حاول العلماء المحدثون أن يستفيدوا منها كما ينبغي. ولا يتعارض هذا مع قولي قبل الآن من أن حكمتي لا تتبدل ولا تتحول. فهي فعلا كذلك من ناحية الظاهر أما المضمون أو المحتوى فهو متقلب مع تقلبات الزمن وفورة الأحداث.

وتلاحظ حتى الآن أنني لم أشرح فكرة معينة تحتويها وتتركب منها حكمتي ولم أحاول أن أقوم بعرض جملة من الأنظار التي أعتنقها وأدين بها. وقد عنيت أن أنتهي على هذه الصورة لسببين: أولهما ما قلته لك من أن شرط الحكمة الأصيل هو ألا تكون محلاً للتأثر وان تكون ناتجة عن ظروف صاحبها نفسه من غير إملاء ولا سيطرة. فالحكمة حكمة صاحبها وحده ويستطيع بنفسه أن يتوصل إليها وأن يباشرها بإرادته. . . والسبب الثاني هو أن مجال الإطلاع على آراء الناس ومعتقداتهم متاح لك في كل كتاب يبغي الإصلاح ويريد الإرشاد ويعمد إلى التوجيه. أما سبيل العناية وطريقة المحافظة على الآراء الفردية فقلما يطرقها كاتب. ولذلك حاولت أن أقدم لك شيئا متصلا بالصورة والشكل الخارجي في الحكمة ولا يتعداه إلى المضمون والفحوى. وأعتقد أننا محتاجون إلى من يشعرنا بكرامة العقل أكثر من احتياجنا إلى من يملأ العقل، وأن المناهج تلزمنا اكثر من المواد. أو بعبارة موجزة إننا أشد حاجة إلى البطاقة المكتوبة على زجاجة الدواء نفسه.

حكمتي. . . هاأنذا أفتح لك عقلي فاكمني به، وهاأنذا أنير لك السبيل إلى ضميري فادخليه، وارع قلبا هام بالقداسة قبل أن يرتمي في أحضان الرذيلة. . . ولا تأخذي عليه أخطاء المجرم القصد ولا تحاسبيه حساب الفاسد المطبوع، بل انظري إليه كما تنظرين إلى الشخص المنكود الذي يطيش السهم في يده وتفلت المقادير من بين أصابعه فلا تترك له غير ذل العبرة وكيد الماضي ومرارة الذكريات.

<<  <  ج:
ص:  >  >>