والاعتياد، وإن ما يلزم الإنسان في حالة تصديه لما يشبع طموحه من الروائع أنفع للإنسانية من تلك العواطف التي تقوى على مقابلة الابتذال والتطفل، والتي تستطيع أن تنفذ خلال الظروف العملية والحالات الشائهة. فحاجتنا إذن إلى العاطفة التي تصحب إحساسنا بالمتع الجمالية، وتصرفنا عن منغصات الواقع المبتذل أهم في الآونة الحاضرة من المشاعر التي تلابس في نفوسنا كل خطورة نمر بها وكل تجربة ساقطة نتردى فيها. ولا يأتي هذا من اعتقادنا في الجانب الخيري الذي يسعى بعضنا من أجله في الحياة، وإنما لأهمية تعمق الإحساس لدى الأفراد، ولضرورة العناية بالأذواق، وللزوم النواحي الجمالية في معاشنا. فما يقول الشبان الذين يريدون الإقبال على كل تجربة مهما كانت تفاهتها ومهما كان ابتذالها ورخصها من أجل أن يتبينوا بأنفسهم مواطئ الشر فلا يقربونها وأن يحسوا بلذة الخير فينشدونه، لا يحقق شيئا ولا يؤدي إلى نتيجة حقا ما دمنا حتى اليوم لم نقم شعورا جمالياً ولم نؤسس ذوقاً فاهماً نبن روحاً متوثبة لدى الأفراد. فلننشئ أولاً مظاهر الجمال ودلائل الروعة والبهاء، حتى إذا جاء نصر الشيطان كنا على أهبة للقائه وكنا على استعداد لأن نرحب به، فيقيم بيننا ما تيسرت له الإقامة وينصرف عندما يشعر بأنه لم يعد عن المنصرف بعد.
ليس هذا هو كل شيء في الأمر، وإنما هناك شرط آخر لتكوين الحكمة الفردية وأعني به أن تكون لدىالناس مقدرة على التمييز المستقل بحيث يختار كل واحد لنفسه ما يهمه أو ما يلائمه بغير إملاء ولا سيطرة. فاهم ما تمتاز به حكمتي تلك التي حدثتك عنها هو أنني قد انتقيتها انتقاء وفضلتها تفضيلا ذاتيا خالصاً. وهاهنا أيضاً لابد من الإشارة إلى ضرورة التحصيل والتتلمذ، ومن توكيد أهمية الأخذ عن الغير في كل مراحل الحياة بلا اختلاف. ولكن المهم - حتى عند التأثر بالآخرين في الرأي والفكرة - أن يكون لدى الإنسان محك يقيس إليه ومحور يدور حوله. كن تلميذا إلى الأبد، فهذا فيدك ولا يجني عليك إذا لم يعد عليك بأخصب الثمار؛ ولكن لا تكن فاقداً للتمييز فيما تحصله، ولا تجني بعينيك مقفلتين. وبذلك تمتزج في قلبك عوامل السلب والإيجاب، وتتمخض روحك بمضي الأيام عن حكمة صائبة فريدة. ولا نريد بالحكمة الصائبة حكمة صحيحة على طول الخط، وإنما نقصد منها أن يكون رأي الإنسان مناسبا للمقام ملائما للوضع مبلغا إلى الهدف. أما بالفريدةفنعني أنها