للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأفعالنا في الخارج إنما تنتج عن اعتقاد في الداخل أو عن الإيمان الباطن، وإذا كنت مهتما بحكمتي إلى هذا الحد فلأنني أعلم مقدار تأثيرها في كياني ومدى سيطرتها على أعمالي. وأرى لزاما على كل إنسان أن يلائم بين نفسه وبين البيئة التي يحيا فيها عن طريق الحكمة التي يعتنقها والفكرة التي يغرسها في عقله غرساً، كل فرد منا يعنى عناية خاصة بغذائه وملبسه وعلمتنا المدنية ضروباً من الفن في الأكل وعودتنا طرائق شتى في الكساء. ومن ثم كانت حياتنا في مظاهرها المختلفة ناشئة عن أذواقنا المتأثرة بالضرورات والبدع الجديدة، ولكننا لم نستطع أن نستفيد من الاتجاهات الفكرية العامة ولم نقو على تأسيس عقلياتنا تأسيسا فنياً ناحية تفكيره وثقافته وذوقه فلا نزال في الحضيض أين منا الذي يعنى بقلبه وعقله كما ومن هنا ترانا مسرعين في كل ما يهمنا أمره من ظاهرات المجتمع ومتقدمين تقدماً مادياً ملموساً في كليعنى بصنوف الطعام التي يحشو بها جوفه وأين منا المتأنق في قراءته بجانب تأنقه في اللبس والهندام، إننا أحوج ما نكون إلى روح عامة تهزنا من الباطن قبل أن تبدل في الشيات الظاهرةوتعمق الإحساس والذوق قبل أن تجمل الصور الشكلية في حياتنا.

فقد آن الأوان كيما نعنى بآرائنا ومعتقداتنا الخاصة وكيما نفرد لحكماننا قسطا من العناية والرعاية. ويكفي أن نعرف أننا نعيش بالأفكار والحكمة مثلما نعيش بالغذاء والكساء حتى نبذل من لدنا كل ما نملك من أجل اختيار الرأي الذي نملأ به رؤوسنا والخاطر الذي يجول بأذهاننا. ولا بد، منذ هذه الساعة التي نحدد فيها مستقبل الأمة عن طريق ما نصنعه بأيدينا من الفعال، أن نهتم اهتماماً خاصاً بالفكرة والحكمة الفرديتين بوصفهما منبعا لما نأتيه من الفعال ومصدراً لكل ما يخرج إلى العالم الظاهري من الحركات.

ومن مظاهر الاهتمام والعناية بالحكمة الفردية لدى كل أحد أن يباعد بين نفسه وبين البواعث التي يرى فيها ضرراً برأيه والمؤثرات التي يحسبها مودية بمعتقده، فلا يجالس إلا من يجد فيهم غذاء لروحه ويلمس عندهم متعة لقلبه ووجدانه، ولا يخاطب غير أولئك الذين يرتفعون به ويضيفون إليه. ولا شك أن التجربة لمظاهر الحياة المختلفة على قدر كبير من الخطورة في التأثير الفردي، ولكن الذي لا شك فيه أيضاً هو أن مظاهر الحسن في الحياة أندر من مظاهر الدمامة، وان الشعور بالقوة والجمال أقل من الإحساس بالتفاهة

<<  <  ج:
ص:  >  >>