ثم قضينا مما أبدع ساعات ثلاث. ولما قفلنا راجعين كادت لدموع تطفر من مآقينا. وعلى الباب تكلمنا كثيراً، وحاولت أن تشكرني، فاستوقفتها قائلاً: اسكتي. ودعيني أتطلع إليك، فإني أرى في عينيك دنياي!
وكنا في عتمة. وعلى ضوء المصباح الشاحب رأيت هاتين العينين تلمعان، وأردت أن أقول لها شيئاً، فلم تدعني لأنها. . . لأنها قاطعتني بلثمة مذعورة من ثغرها الدقيق. ثم انثنت تصعد الدرج مسرعة وأنا خلفها. . .
وفي اليوم التالي تحدثنا عن كل شيء، واستعرضنا ما حدث ولكنا لم نتحدث عن قبلة الليل وكنت سعيداً، وكانت هي سعيدة وأقسمنا معا أن نظل وفيين أفتحسبنا كنا نلهو أيها الصديق؟ أما الأم فلم أرها، وأخبرتني هي أنها غضبى. . لعل ذلك لأنها كانت معي، أو لأنها تألمت حين علمت أن زوجها فقد بالأمس بعض ماله في غير نفع.
ثم اجترأت، وحاولت أن أعيد عليها صورة وداعنا وأمسكت بها فتخلصت مني برفق تقول: أرجوك.
وتكرر خروجها معي وفي هذه الأثناء كانت صلتي بأمها تزداد توتراً، وكأنما كان بيني وبينها ثأر قديم. لقد كنت يا صديقي أحاول أن أجعلها في جانبي، ولكنها كانت كالجواد الجموح لا يرضيها لين، ولا تخدعها رقة، ولا يقنعها تظاهري لها بالخضوع وخيل إلى أنها لا ترضى من خروجي بديلاً.
وأقسم أن هذه الفكرة روعتني، وحاولت عبثاً أن أقنع نفسي بغير ذلك وفي اليوم الذي ظننت فيه أني موشك على إزالة حدة التوتر سمعت منها رأيها بصراحة لم تعجبني. وأؤكد لك يا أخي أن صورة صاحبتي هي التي حالت بينها وبين لساني ومع ذلك فقد تفضلت وصارحتني بحاجتها إلى غرفتها.
وفزعت إلى الرجل فنصحني بالتريث، وتفقدت صاحبتي فلم أعثر لها على اثر. وبدا لي أن العجوز عملت على إبعادها من طريقي. . فهل كانت تدري صلتي بها؟ أما أنا فقد كنت أوقن أنها لا تعرف شيئاً مطلقاً. على أني في يوم وليلة اعتزمت الرحيل!
وأرجو أن لا تحسب أن هذا الرحيل كان علي سهلاً. وكان شيء واحد يشغلني هو: كيف اتصل بها. وكنت ساهماً تائها حين سمعت بابي ينفتح في رفق، فالتفت لأراها تدخل ثم