للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتعودت رؤيتها كل يوم، كما تعودت أن أحادثها. . . فآمنت أني بحاجة إليها، فقد كانت أنثى يعانقها شباب العشرين أنثى عذبة تطوف حولها أحلام بيض، ويوم حدثتها عن نفسي وأنا آكل قلت لها أني أريد صداقتها. صداقتها فقط.

ورضيت بهذه لصداقة ورفعت الكلفة بيني وبينها. وكانت لا تكاد تدخل غرفتي حتى ترمي خارج الباب كل شيء يقيدها وكانت أحياناً تميل برأسها فتفتر أعصابي، وتلاشى في عطرها المترف الرقيق. ولم تكن تعمد مطلقاً إلى سحب يدها من يدي حين أمسك بها.

وقنعت يا أخي منها بذلك، وأبيت أن أخطو خطوة واحدة. فقد كنت أخشى أن أرتطم بألف سد، وكان حرصي الشديد عليها يحجم بي عندما كنت أظن أنه يؤلمها. ثم كان يجب أن أدرك أن عين الأم ترقبنا دائماً. فلم يحدث أن دعوتها للخروج معي، ولم تبدر مني بادرة توحي بأني راغب في قضاء سهرة معها. غير أني كنت أحس أنها لن ترفض إذا عرضت عليها عرضاً.

إلى أن التقيت بها في إحدى صالات العرض. . وكانت مع أبيها. ورأتني فابتسمت فدنوت منها متردداً وجلاً وما رآني الرجل حتى استقبلني مرحاً ضاحكاً، واستقبلتني هي في عين راعدة وشفة تختلج إلا أنها لم تستطع أن تكتم ضحكتها حين اعتذرت عما إذا كنت قد أقحمت نفسي عليها.

وعاد الرجل يضحك، ثم انطلق صوته في سرعة وعصبية ولكنه لم يتكلم هذه المرة عن مسكنه، فقد كان وراءه ما هو أهم كما راج يقول، ولولا هي. . . لولا ابنته لكان الآن في غير المكان ثم رجاني أن أعود بها إذا مل أمانع، وانصرف قبل يعرف رأيي، وكأنه كان على ثقة من رضائي!

حدث كل هذا في وجيز وبين دقيقة وأخرى وجدت نفسي نعها، غير أني استشعرت وإياها في بحر عريض وسيع، ولم أدر أين أذهب بها. . لقد كنت أريد أن أبتعد بها عن كل عين، كنت أريد دنيا لا يسعى على أرضها أحد سوانا!

ونظرت إليها. . وكانت هي تتطلع نحوي، فأسبلت أهدابها وحاولت أن تبتسم. وكانت خجلة على اكبر الظن، أو كانت مترددة مثلي لا تدري ما تقول. واجتذبتها من ذراعها وأنا أهمس أتريدين الرجوع؟ فأجابت في جفوت: وأنت ماذا تريد؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>