فنان بطبعه. وفيما عدا فعل الخير وقول الشعر كانت حياته أشبه بحياة الطائر الغرد في سماء الربيع الطلق: انتقال من غزل إلى شدو، وارتحال من جو إلى جو.
كان علي طه أكرم الله مثواه طاغي الشخصية ولكنه طغيان الروح؛ مستبداً بالحديث ولكنه استبداد النبوغ يجلس الجالس إليه ويطيل الجلوس ويكرره، ولكنه في كل جلسة يجد نفسه في حضرة رجل ممتاز. وامتيازه كان من طلاوة حديثة وشجاعة رأيه وصراحة قوله وعفة لسانه وحرية ضميره وخلوص قلبه. كان في صرامة الرجل ووداعة الطفل، فلا يسع من يلقاه إلا أن يجله، ولا يملك من يعرفه إلا أن يحبه.
وكان شعره صورة لشخصه ومرآة لنفسه. نقرأ فكأنما نقرأ في قلب مفتوح، وننظر فيه فكأنما ننظر في أفق منير. أجمل ما فيه الصدق، وأقوى ما فيه الجمال، وأعظم ما فيه الحب. والصدق والجمال والحب هي عناصر الرسالة الفنية التي أداها علي طه.
كان شعره صافي الأسلوب لأنه صافي القلب، متسق الألفاظ لأنه الخلق، مشرق المعنى لأنه مشرق النفس. وإن من المصائب التي يرفض لها الصبر ويضيق بها العزاء أن نستعمل (كان) في الحديث عن علي طه أنه باق ما بقيت العربية، مذكور ما ذكرت العروبة، خالد ما خلد القرآن.
ولست اليوم بسبيل الكشف عن عبقريته في فن الشعر في فن الشعر ولا عن مكانته في تاريخ الأدب، إنما هي عبرات مما بقي في المآقي جئت أسكبها على ثراه، وزهرات من الروض الذي كان يحبه جئت أنثرها على قبره.
رحم الله الفقيد العزيز أوسع الرحمة، وعزى عنه الأمة العربية أجمل العزاء، وعوض الأدب الرفيع من فقده خير العوض.