ما وراء السهاد في ليلك الداجي ... وهلا فرغت من أحزانك؟
فقم الآن من مكانك واغتنم ... في الكرى غطة الخلي الطروب
والتمس في الفراش دفئاً ينسيك ... نهار الأسى وليل الخطوب
لست تجزى من الحياة بما ... حملت فيها من الضنى والشحوب
إنها للمجون والختل والزيف ... وليست للشاعر الموهوب!
لقد حدثناك عن المزاج الكئيب في شبابه الباكر وها هو بين يديك في البيت الأول، وحدثناك عن الطبع الحزين في حياته الأولى وها هو يطل عليك من البيت الثاني. وزد على الجفون الملتهبة من السهد، والأصابع المرتعشة فوق الجبين، والفم الناضب من رحيق الحب، والشعور الطافح بمرارة الأنين! وأي شباب هذا الذي يشغل عن الرعود حين تقصف وعن البروق حين تسطع، بتلك الغرفة الصامتة وهذا السكون العميق، يرقب بروحه الغافية ضوء المصباح الشاحب شحوب الأمل، وبقايا النيران في الموقد الذابل ذبول الحياة؟! يمر عليه النهار فيعصف بقلبه الغض وكيانه الرقيق عصف الرياح العاتية بالنبتة الواهية، وينقضي عليه الليل وهو حائر في مكانه من الغرفة الصامتة لا يطمئن، ولا شيء في عينيه غير الدموع، ولا شيء في فكره غير السؤال عما وراء السهاد. . . ولا جواب!
وأي شباب هذا الذي يفزع من وحشة اليقظة إلى أحضان الكرى ينشد الأنس الأنيس في ظلام الأحلام، ويلتمس في الفراش شيئاً من الدفء ينسيه برد الأسى وتجهم الأيام؟! هوه ذلك الشباب الذي خلق للضنى والشحوب، وخلق لهذا المزاج الرومانسي الضارب في مجاهل الغيوب!. . . ومرة أخرى تعال نستمع إليه وهو ينثر بين أيدينا خفقات قلبه، في هذه الأبيات التي نقتطفها من قصيدة عنوانها (قلبي)، في الصفحة الحادية والخمسين من (الملاح):
يا قلب: مثل النجم في قلق ... والناس حولك لايحونا
لولا اختلاف النور والغسق ... مروا بأفقك لايطلونا
فاصفح إذا غمطوك إدراكاً ... واذكر قصور الآدمينا
أتريدهم يا قلب أملاكاً ... كلا. . . وما هم بالنبيينا