للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكانت الجماهير منهمكة في اللحاق بالدمى التي كانت تشع بالنور في عيونهم وترقص أمامهم، وعند ما يحسبون أنهم بالغوها تزل أقدامهم فيقعون في العمق غارقين. وبين هذه الأشياء المحيرة لاحظت إن بعضهم يحملون سيوفاً وآخرين يحملون مباول وهم يروحون ويجيئون فوق الجسر يدفعون بعض الناس خلال المزالق التي لا تبدو واضحة في طريقهم والتي قد ينجون منها لو لم يدفعوا إليها قسراً.

ولما رأى أنني منهمك في تتبع هذا المنظر المحزن أخبرني أنني قد تأملت طويلاً وقال: حول عينيك عن الجسر واسألني عن الشيء الذي لم تدركه. فسألته وأنا مصوب نظري إلى العلاء عما تعني تلك المجموعة من الطيور التي تحوَّم بصورة مستمرة فوق الجسر وتقف عليه من حين إلى آخر؟ إنني أرى نسوراً وعقباناً وغرباناً، وكثيراً من المخلوقات المجنحة، أرى بينها صبياناً مجنحين يجثمون مزدحمين في وسط الأعمدة. قال الجني: هؤلاء هم الحسد والطمع والخرافات واليأس والحب وما شابهها من المطامع والآلام التي تفيض بها حياة البشر.

وند عن صدري تنهد عميق وقلت: يا للأسف! لقد خلق الإنسان سدى. يدفع للشقاء ثم للفناء. يعان يفي حياته المضنية الآلام الجسام ثم ينقض عليه الموت ويزدرده، لقد تحركت الرأفة في قلب الجني فأمرني أن أترك هذا المنظر المؤلم قائلاً كف عن النظر إلى الإنسان في أول مرحلة وجوده ومسيره إلى الأبدية، وسرح طرفك في ذلك الضباب الكثيف الذي يحمل التيار إليه الأجيال الفانية، فنقلت بصري إلى حيث أمرني (ولا أدري هل كان الجني الطيب قد بعث فيه قوة فوق العادة أو أزاح قسماً من الضباب الذي كان يبدو أولاً شديد الكثافة حتى لا تستطيع العين اختراقه).

رأيت الوادي ينفتح من نهاية القصية إلى محيط عظيم في وسط صخرة من الناس تقسمه قسمين متساويين، ولا تزال السحب تغطي نصفاً منه بصورة لم تدعني أكتشف شيئاً منه. أما النصف الثاني فكان يبدو جلياً كمحيط كبير تناثرت فيه جزائر لا يبلغها المد مزروعة بالفواكه والرياحين يفصلها عن بعضها آلاف من البحار الصغيرة المتلألئة. وكان في استطاعتي أن أرى أناساً عليهم ثياباً من سندس وإستبرق تزين رؤوسهم الأكاليل يتريضون خلال الأشجار ويتمددون عند المنابع الصافية أو يستريحون إلى فراش من الأزاهير.

<<  <  ج:
ص:  >  >>