للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسمعت أنغاما ساحرة مشوشة من تغريد الطيور وخرير المياه وأصوات بشرية وآلات موسيقية. فملأ هذا المنظر البهيج روحي بالسعادة ونفسي بالأمل وتمنيت لو كان جناحا نسر لأطير إلى هذا الوادي السعيد؛ ولكن الجني أنبأني أن الطريق الوحيد إليه طريق الموت الذي كنت أراه يفتح في كل لحظة فوق الجسر. واستطرد قائلاً ' ن خلف هذه الجزر التي تبدو لعينيك نقية خضراء نملأ وجه المحيط بعددها الذي يفوق ذرات الرمل على ساحل البحر، تمتد عشرات الآلاف من الجزائر حيث لا يدركه نظرك أو تتصوره مخيلتك تلك هي مساكن الصالحين بعد الموت يحلون بها تسربلهم السعادة السرمدية ويحف بهم السرور الدائم كل حسب ما قدم وأخر وما امتاز به من فضيلة ومنزلة وهم موزعون على الجزائر التي تعمها المسرات المتنوعة موافقة حسب ما يشاءون وما يلذ لهم لإتمام هناءتهم فيها. وكل جزيرة فردوس أعد للأبرار الأطهار من بني البشر. فهلا تستحق هذه المساكن يا ميرزا النضال لفوز بها؟ وهل تبدو الحياة مفعمة بالتعاسة وهي تعطي هذه الفرص لنيل مكافئة كهذه؟ وهل الموت مخيف وهو الذي يحملك إلى هذه الحياة الطليقة التي لا يعكر صفوها كدر؟ فلا تحسب إن الإنسان خلق سدى، وفي انتظاره تلك الحياة السرمدية. وحملقت بتلك الجزر وقلبي مفعم بسعادة لا يحدها حد. وأخيراً رجوته أن يكشف لي عن السر الذي يكمن خلف الغيوم التي تحجب الطرف الآخر من صخرة الماس.

فلم يجبني الجني فالتفت بعد لحظة إليه لأكلمه فلم أجده؛ واستدرت إلى المنظر الذي تأملته ذلك الوقت الطويل فرأيت بدلا ًمن التيار الموار وأعمدة الجسر والجزر السعيدة وادي بغدات العريض تمر فيه الثيران وقطعان الغنم والجمال ترعى الكلأ في دعة وأطمئنان.

ماهرة النقشبندي

<<  <  ج:
ص:  >  >>