العربية الزاهرة، وكتب الناقدين من أضراب عبد القاهر وأبن رشيق والآمدي والعسكري وغير هؤلاء؛ والمدرسة الحديثة التي يمثلها الأعلام ممن تعلموا تعليماً مدنياً وجنحوا في دراستهم إلى الآداب الغربية ينهلون من حياضها ممن هم على شاكلة لطفي السيد وقاسم أمين وفتحي زغلول ومن سار سيرتهم واهتدى هديهم.
فجاء الجارم في شعره حلقة الاتصال بين المدرستين، ينظم في الحوادث الجلي والمناسبات التاريخية فتسمع فيه شعراً فيه الطابع البدوي والموسيقى العربية، والألفاظ المنتقاة فتخاله رجعياً قديماً وتحسبه ما يقول إلا معاراً، ثم لا تلبث أن تسمعه ثانية فتسمع شاعراً متصرفاً في شعره سامياً في خياله فتلمح روح العصر قد بدا ناطقاً في قصائده مرئياً في أبياته.
فهو مثلاً في إحدى مدائحه الملكية عليه آثار المدرسة القديمة وتأثره بمهج القدماء من الشعراء عندما يقول: -
أقبس الروح من شعاع الراح ... والثم الحسن في جبين الصباح
وأبعث اللحن من سمائك ياش ... عر ونافس به ذوات الجناح
وانهب الحسن من خدود العذارى ... واسرق السحر من عيون الملاح
إلى أن يقول: -
إيه يا شعر أنت سلوى في الدنيا ... إذا ضاق بي فسيح البراح
وفي مثل هذه المناسبة وفي قصيدة أخرى يطل عليك الجارم من مدرسته الحديثة فتبدو على شعره سمات الثقافة الغربية ودراسته الحديثة فقول في الفاروق: -
هو الأمل البسام رف جناحه ... فطارت به من كل قلب بلابله
هو الكوكب اللماح يسطع بالمنى ... وتنطق بالغيث العميم مخايله
ترى بسمة الآمال في بسماته ... وتلمس سر النبل حين تقابله
يفديه غصن الروح ريان ناضراً ... إذا اهتز في كف النسائم مائله
فإن الأمل البسام، وطيران البلبل من القلوب، وسطوع الكواكب بالمنى، وبسمة الآمال واهتزاز الغصن المائل في كف النسائم، وجريان (النسائم) على هذا الوزن في الجمع كلها من التعبيرات العصرية، ووليدة اصطلاحات المدرسة الحديثة في اتجاهات دراستها.
والجارم في كل شعره أو على الأقل في الغالب الكثير منه لا تكاد تفارقه هذه الصفة التي