للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويتضح مما قدمنا أن عنصر الخيال في زينب أقل منه في مثيلاتها من القصص الأوربية المتوسطة، وأن ما في القصة من فقرات عقلية ووجدانية (وهي في الواقع العنصر الشخصي فيها) يسمو على الناحية القصصية. ولقد ذكر الكاتب في مقدمة الطبعة الثانية أن القصة فضلا عن مظاهرها الخاصة تأثرت أيضاً بطريقة القصة الفرنسية السيكلوجية الحديثة، ولكنا على الرغم من ذلك (إلا إذا ثبت تماما أن القصة قد جرت في تفاصيلها وأسلوبها وخطتها على نمط القصة الفرنسية) نقول أنه يستحيل علينا أن ننكر على زينب أنها أول قصة مصرية كتبت بقلم مصري للقراء المصريين، وأن شخصياتها وأوضاعها وخطتها قد اشتقت من الحياة المصرية الحاضرة.

لم تلق هذه القصة إلا اهتماما قليلا حينما نشرت في عام ١٩١٤، ولكنها لاقت بعد ذلك نجاحاً كبيراً لما اتسعت دائرة القراء. وكان إعادة طبعها في عام ١٩٢٩ بناء على طلب الجمهور، وقد أدى إلى ذلك عدة عوامل نذكر منها أنها زادت في إحساس الناس بقوميتهم، وأن مؤلفها قد ارتفع صيته في عالم الأدب، وأنها اختيرت موضوعا لأول (فلم سينمائي) أخرج في مصر.

ومن أجل ذلك أصبحت القصة موضع بحث، وكتب في نقدها بعض مقالات كان معظمها مدحا وتقريظا. ومن أحسن ما كتب في هذا الصدد مقالتان طويلتان للمازني في السياسة الأسبوعية بتاريخ ٢٧ أبريل و٤ مايو سنة ١٩٢٩. وحدث أن كتب بعد ذلك كل من هيكل بك ومحمد عبد الله عنان سلسلة مقالات في السياسة الأسبوعية في أوائل عام ١٩٣٠ ذات فائدة كبيرة فيما يتعلق بنشأة القصة في مصر.

يسائل هيكل بك عن أسباب ذلك الضعف وذلك الفقر الغريبين اللذين يمتاز بهما الأدب العربي الحديث في القصة، مع أن المصريين يمتازون بمقدرة طبيعية على سرد القصص. ولقد علل ذلك بعدة أسباب منها: فقدان المقدرة على طول الخيال، والفرق بين لغة الكتابة ولغة التخاطب، وكسل الكتاب المصريين. ولكن ليس في هذه الأسباب ما يمكن اعتباره السبب الحقيقي وإن بدا في الثاني منها بعض الوجاهة. ويذكر هيكل بك بعض الأسباب الفرعية الأخرى ومنها (١) نسبة الأمية الهائلة في مصر، وهي تحول دون أي تقدير حقيقي من جهة، وتكون سببا في قلة العوض المالي من جهة أخرى (٢) عدم التشجيع من

<<  <  ج:
ص:  >  >>