(٢) أن هؤلاء يعلمون الناس بوحي من الله وينتهي من تواتر وجودهم وصدق معجزاتهم إلى إثبات نبوتهم (٩٨ - ١٠٠).
وعند بحثه للمسألة الثالثة في القضاء والقدر (١٠٤) يبين أنها مشكلة عويصة تتعارض فيها دلائل السمع وحجج العقول.
فمن الآيات ما يدل على أن كل شيء بقدر وأن الإنسان مجبور على أفعاله بينما هناك آيات توضح أن للإنسان اكتسابا بفعله وأنه ليس مجبوراً على أفعاله. وربما يظهر هذا التعارض في الآية الواحدة. ولهذا انقسم المسلمون إلى فرقتين:(١) المعتزلة التي اعتقدت اكتساب الإنسان لأفعاله. (٢) والجبرية التي تناقضها بالقول إن الإنسان مجبر على أفعاله.
أما موقف الأشاعرة فكان كعادتهم دائماً التوفيق بين الآراء فوافقوا أن الإنسان كسباً ولكن المكتسب والكسب مخلوقان لله. . والإنسان بقولهم هذا لابد مجبور على اكتسابه. وهذا هو سر الاختلاف في هذه المسألة. فمع تعارض السمع تتعارض أيضاً الأدلة العقلية. . فإذا فرض وخلق الإنسان أفعاله فمعنى ذلك أن هناك أفعالاً لا تجري على مشيئة الله، فكأن هناك خالقاً غير الله، في حين أن المسلمين أجمعوا أن لا خالق غيره. . وإذا فرض أنه مجبور فلا وسط هناك بين الجبر والاكتساب.
لكن أبن رشد يرى أن الشرع إنما قصد الجمع بين الاعتقادين على التوسط إذ أن الأفعال المنسوبة إلينا إنما تتم بإرادتنا مع إرادة الله. . وما الإرادة إلا شوق يحدث لنا عن الأمور التي من خارج والتي سخرها الله. فأفعالنا تجري على نظام محدود لأنها مسببة عن تلك الأسباب التي من خارج. وهذا الارتباط بين أفعالنا والأسباب التي من خارج والتي خلقها الله داخل أبداننا هو القضاء والقدر. . الذي كتيه الله على عباده ولا يعلم بهذه الأسباب إلا الله وحده الذي عنده علم الغيب (وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو) الآية. فبهذا يكون من الواضح أن لنا اكتساباً وأن جميع مكتسباتنا بقضاء وقدر سابقين.
. . وتناول في البحث الرابع مسألة الجور والعدل. وقد جاءت الشعرية في هذا الصدد بضد ما صرح به الشرع فزعموا أنه إنما أتصف بالعدل والجور لمكان الحجر الذي عليه في أفعاله من الشريعة. فمتى فعل الإنسان شيئاً هو عدل بالشرع كان عادلاً. . والضد صحيح. ومن ليس مكلفاً فلا يوجد في حقه فعل هو جور أو عدل وذهبوا من ذلك أنه ليس