ثمة شيء عدل في نفسه أو جور في نفسه، وهذا عند أبن رشد خطأ فاحش؛ لأنه لا يوجد خير وشر كل بذاته. . فكيف لا يكون الشرك بالله جوراً ولا ظلماً إلا من جهة الشرع، وانه لو ورد في الشرع باعتقاد الشريك كان ذلك عدلاً. . وهذا خلاف المسموع والمعقول وصدق الله حين وصف نفسه في كتابه ونفى الظلم عن ذاته العلية (وما ربك بظلام للعبيد) أما قوله أنه يظل من يشاء ويهدي من يشاء فلا يحمل على معناه الظاهري , وإنما المشيئة التي تهيئ قوماً للظلال بطبعهم وليس في هذا جور، لن حكمة الله اقتضت أن يكون بعض الناس أشراراً بطبائعهم. . والأسباب المترتبة من خارج لهداية الناس قد تكون مظلة لبعضهم. وإنما أراد الله بهذه الآيات المتعارضة أن يبين أنه خالق كل شيء الخير والشر. . لكنه يخلق الخير لذات الخير. ويخلق الشر من أجل الخير؛ وعلى ذلك يكون خلقه للشر عدلاً منه ولعل مثال النار أصدق الأمثلة على صحة هذا القول.
ولكن شتان بين عدل الله سبحانه وتعالى وعدل الإنسان. فالإنسان يعدل ليستفيد بالعدل خيراً في نفسه. . وتعالى يعدل أن ذاته تستكمل بذلك العدل بل لأن الكمال الذي في ذاته اقتضى أن يعدل. ز
أما المسألة الخامسة ففي المعاد وأحواله. ز اتفقت كافة الشرائع في جوهر وجود المعاد وإن كانت قد اختلفت في الصور التي مثلت بها للجمهور. . فمن الشرائع ما جعله روحانية للنفوس ومنها ما جعله الأجسام والنفوس معاً.
اتفق على أن للإنسان سعادتين أخروية ودنيوية. ولما كان الإنسان أشرف الموجودات، وأنه غاية الإنسان التي تميزه دون سائر الحيوان إنما في الحياة الناطقة، فالنفس الناطقة جزءان جزء عملي وجزء علمي. ولأجل كمال الإنسان يجب أن هذين الجزئين الفضائل العلمية النظرية أي الخيرات والحسنات. وقد نصت الشريعة بتقرير هذه الأمور فعرفت من الأمور النظرية معرفة الله والملائكة والموجودات الشريفة والسعادة.
إذا كانت النفوس زكية يتضاعف زكاؤها عند الموت. . وإذا كانت خبيثة زادت خبثاً. . ولقد اتفقت الشرائع أيضاً في تعريف هذا الحال للناس وتسميتها السعادة الأخرى والشقاء الآخر. . ومن الشرائع ما لم تمثل هذه السعادة وذلك الشقاء إنما صرحت بأحوال روحانية. . ومنها ما مثلت بالمحسوسات لتكون أشد تفهيماً للجمهور فمثلت مكاناً تنعم فيه الأجساد هو