العامرة أو المهجورة، وما إليها من (الشعريات) التي تواضع العرف الدارج على أنها (الطبيعة). فأولهما إذن يمكن تسميته (بشاعر الحب) والثاني (بشاعر الطبيعة). فكيف يفهم صحابنا الأول الحب، وكيف يعي الثاني الطبيعة، والى أي شيء منها يلتفت ذهنه؟
والمفروض بالبداهة أن مثل هذا الشعر يكتب ليقرأه الرجل المصري أو العربي المثقف، الملم بشيء من حضارة هذا العصر وثقافته، الشاعر (بوعي) هذا الزمن الذي يعيش فيه، والذي تشغله مناظر وآراء ومسائل تثير شكوكه أو تبعثه على التفكير والتأمل والإنتاج الفني.
فلنتكلم عن الحب كموضوع شعري يتناوله أي شاعر عصري، يود أن يقرأه أي مخلوق حي شاعر في القرن العشرين، فليس ثمة شك في أن الحب كحاجة (فسيولوجية) هو كحاجة أي مخلوق حي إلى الأكل والنوم. وهو مظهر عادي تشترك جميع الإحياء فيه (ويمكن ان يقال ان النبات والجماد يعرفان الحب أيضاً والسلب والإيجاب من قوانين الكون بأجمعه) فلم يختص إذن بنظم الشعر والنشيد والأغاني؟
فإذا حدثني صديق أو عشير بأنه يحب امرأة بذاتها، وانه لا يطيق الابتعاد عنها، وأنها تثير لواعج أشجانه وأمراض نفسه، فقد يسمع مثل هذا الحديث ويحمل حينما أجلس إلى أي صديق هادئ فيحدثني عن متاعبه، وما يسمن من الآكال وما يستهجن، وعما يحب أو يكره من ألوان الثياب، ولكني لا أطيق كقارئ حي أن استمع إلى شعر لا يتعدى نفسه نغمة مثل ذكر هذه الأشياء الأولية، وإلا لكان كل فرد منا شاعراً، لان لكل فرد حاجاته وأذواقه وشؤونه التي تتعلق بالحب والآكل والنوم والمجيء والذهاب. فإنما هذه (أبجدية) كل إنسان.
أصدقائي!. . . إن هذا (الشيء) الذي نسميه شعرا والذي نود أن نقرأه نحن الأحياء العارفين لعالم الحبر والورق، هو خلاف (كلام الحسن) عن الأشياء العادية. إنه يتطلب وجود شاعر يأكل كبقية الناس ولا شك، ويحب مثلهم، ولكن نظره وأحاسيسه والتفاتات ذهنه وقفزات وعيه نحو هذه الأشياء العادية (غير عادي)؛ وهو شيء آخر خلاف ما يحس عامة الناس ويقفون عنده. ومن هنا كانت قيمة الشاعر الحق. أي انه (ولو أنني لا أود استعمال الكلمة ولكنها كبيرة الدلالة) فيلسوف. فالحب يصبح موضوعاً جديراً بالشعر كما