الحياة من التفاهات اليومية، وفي اطراد هذه الحاجات التي نشعر بها في صباحنا ومسائنا ما يجعلها عسيرة الاحتمال، ويضاعف مشقة العيش، فليس بنا ثمة حاجة إلى أن نقرأها في عالم الحبر والورق.
والشاعر العصري - سواء في مصر أو في الصين - الذي لا تثيره تيارات الفكر المعاصر، واكتشافاته ومتاعبه، والذي ليس له وجدان يتغير ويتفاعل بما يسمع ويقرأ ويفكر ويشاهد من عيوب نظام حياتنا الحاضرة، أو نشوز في أنغام فكرنا المعاصر، أو ألوان تسترعي الاهتمام في نسيح الثوب الذي يلفنا، أو فراغ في إنسان بادي الامتلاء، أو أغنية في زاوية من زوايا بيتنا المعنوي، ليس له، بل لنا الحق في إلا نعده في عدد الشعراء المخلصين.
والظاهر أن شعراءنا يعيشون في أجسام محدودة الفكر والإحساس بحدود جسدها وغرفتها التي تسكن، وأن الأشياء منه أو هو لم يعرفها قط. إن نظرة واحدة حيث يتقاطع شارع عماد الدين بشارع فؤاد الأول مثلاً في أي مساء لحرية بأن تبعث في الفنان أحاسيس وأفكاراً تصلح لأن تكون قصيدة جيدة إذا كان له من الشعر نصيب.
والذي يبدو لي من قراءة هؤلاء الشعراء والحديث معهم أيضاً ان ليس في حياتهم الفكرية والشعورية أي شيء يشبه الصحاري العارية الجرداء، أو الظلمات الحالكة، أو البريق الخاطف، أو الحيرة الشاعرة، أو أي اشتغال جدي بناحية من نواحي حياتنا الراهنة، وان الشكوك والمذاهب والقيم الفكرية التي تحرك الفنان العصري في أوروبا إلى الثورة حيناً، والى السام حيناً آخر. أو إلى أي فلسفة أو (عدم فلسفة) يكتشفها الفنان المرهف الإحساس، الواسع العطف، القدير الفهم، وراء مظاهر الحياة اليومية من عمل ونوم، وأكل وحب، ومال وجنس، ما يجعله يقف وقفة قصيرة أو طويلة يحاسب نفسه ويحاسب العالم باجمعه، أو يجرؤ على حوار مع الطبيعة أو الأحياء أو ما رواءها، لم تدن منه أو هو لم يعرفها أبداً.
ليس الشعر أيها الأصدقاء بالمادة الكاملة الصنع التي يمكن أن نشتريها جميعاً من الحانوت. أو يمكن صنعها كما تصنع الثياب على هذا الطراز أو ذاك. إنما الشعر هو (تجربة حية) يحسها شخص حي، ويبصرها وجدان نير، وهي تجربة فردة لم تحصل ولم تر إلا كما