حصل عند دفنه ولده إبراهيم - دمعت عيناه فقط. يطلب القرآن الكريم من المؤمنين عدم الجزع والهلع عند المصيبة بقوله:(يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) وفي قوله جل شأنه. (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) فجعل علامة الإيمان بالله - وهو دليل النضج الإنساني والبلوغ العقلي كما سنرى - الاعتدال في الوجدان وعدم التطرف فيه إن في حالة الألم أو في حالة اللذة.
٣ - الصلة بالعالم الخارجي:
وإذا انتقلنا من دائرة الوجدان بعد الإدراك في حياة الإنسان في مرحلة طفولته الأول إلى صلة هذا الإنسان بالعالم وجدنا أنه يغلب عليه في هذه الصلة طابع الذاتية والأنانية.
(أنا) هذه الذات، هي الدافع لكفاحه في هذا العالم وهي هدف هذا الكفاح فيه. ويحاول بأسلوب وبآخر أن يمنع الاشتراك فيما يحصل عليه ولو كان مع من هو مصدر الإعطاء من أب أو أم مثلاً.
ولأنه لا يستطيع أن يدرك غير هذا العالم المحس فأهدافه التي يحاول أن يبلغها فيه لا تتجاوز ما يحس منه. كذلك لا يسعى إلى تحصل المثل الرفيعة؛ لا يسعى إلى تحصيل الفضيلة والقيم الأخلاقية. لا يسعى إلى التضحية في سبيل الغير لأنه لم يعترف بالغير بعد. لا يسعى إلى أداء الواجب نحو الجماعة لأنه لم يدرك معنى الجماعة الآن. لا يعرف معنى الزهد، فضلاً عن أن يسعى لتحقيقه. قد يعاف الشيء ولكن لا يزهد فيه.
وما أشبه الإنسان البدائي بالطفل في هذه المرحلة الأولى من مراحل تطوره. لا يعرف البدائي أيضاً حدوداً لمطالب نفسه، ولا دافعاً في الحياة غير ذاته. ذاته كل شيء، وكل شيء في الوجود هو لذاته. إن عبد قلما يعود على ذاته الخاصة من نفع أو اتقاء لما يقع عليها من ضرر. وإن حارب فللغنيمة، وإن هرب من الحرب فلإنقاذ حياته. وإن صادق أو عادى فلمنفعة في المصادقة أو المعاداة.
لا يعرف معنى الوطن فيفديه بالنزول عن بعض ما يملك أو بإجهاد نفسه في سبيله. وما دام لم يعرف الوطن أو الجماعة فتركيز كفاحه لتحقيق مطالبه الخاصة لا ينشأ عن اختيار منه، حتى كأنه آثر نفسه على وطنه أو جماعته عندما نراه يكافح لذاته فقط؛ بل ذلك عن