أما الرشيد فقد استطاع أن يقف على قدميه في هذا العالم يتخير منه مل يريد. إن أقبل على شيء ما أو أدبر عن شيء ما فعن إدراك فتصميم. لاختياره سبب وعلة. فهو يقف عند ما اختار، ما دام سبب الاختيار قائماً على نفسه. وقلما يتغير السبب إذا كان عن تفتيش وروية - شأن من بلغ بلوغاً عقلياً -.
(ب) كذلك يخضع الطفل في سلوكه لعامل التقليد: يخالف اتجاهه السابق في السير تقليداً لمن هو أكبر منه. لا يستطيع الإجابة عن سر تحوله سوى أن فلاناً - الأب أو خلافه - هكذا صنع:
والبدائي لا يختلف عنه في سلوكه: يتميز بكثرة التحول والتنقل، ثم باتباع التقليد فيه. لا يطول عجبه ولا تطول صداقته ولا زمالته. لا يستمر حزنه وبكائه، يضحك وما زالت الدموع في مقلته أو على خده. صديقه بالأمس عدوه اليوم.
يأتي من التصرفات ما يناقض بعضه بعضاً. ولو فتشنا في سبب تناقضه وجدناه التقليد فيما أتى به.
وما عللنا به سلوك الطفل هناك هو ما نعلل به سلوك البدائي هنا. كلاهما في هذا العالم كمن وقف في مهب الريح، يدفع في سيره دون أن يستطيع اختيار اتجاه معين. إن بدأ بالسير لا يعرف متى يقف؟ وأين يكون
إن الإسلام قام على دعائم فالإيمان أولها في نظره. لا لأنه أساس يتفرع عليه غيره من مبادئ أخرى؛ بل لأنه في الواقع الفيصل في الحياة الإنسانية. هو أمارة على انتقال الإنسان من مرحلة أدنى إلى أخرى أرقى منها في تطوره.
لم يثن الإسلام على المؤمنين به وحدهم لأيمانهم؛ بل احترم كذلك أهل الكتاب ممن لم يحرفوا الكلم عن مواضعه. أما غير أهل الكتاب من الوثنيين، أما أهل الكتاب الذين بدلوا دين الله فهم أمامه سواء في عدم انتقاله من حال الطفولة الإنسانية إلى حال الاكتمال والرشد الإنساني. لا يحق لهم إذن عهد ولا ذمة.
الإسلام وإن شاد بالإيمان فأشادته بذلك الذي جاء نتيجة الروية واستقلال الفكر ووليد النظرة الحرة، لا ذلك الذي أساسه التقليد. (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم