نحو الذات نفسها بعد إن طغت مطامعها وزاد جشعها في عهد الطفولة الإنسانية، وقد يمتد أجلها سنوات في حياة الإنسان.
وإن شئنا قلنا إن الزهد هو تحويل الكفاح في الإنسان من الدائرة الانفرادية أو الأنانية الأولى إلى الدائرة الجماعية. ليس الزهد عبارة عن موقف سلبي في الحياة وتعطيلاً لقوة الكفاح والسعي في الإنسان، فقد كان محمد بن عبد الله زاهداً وكان مع ذلك في مقدمة المكافحين.
٤ - السلوك
وإذا تركنا هذه الظاهرة النفسية التي ذكرناها الآن كإحدى ظواهر الطفولة الأولى للإنسان إلى الحديث عن سلوكه في هذه المرحلة وجدنا طابع الوقتية من جهة والتقليد من جهة أخرى يسيطران على هذا السلوك:
(ا) ينتقل الطفل في هذه المرحلة بسرعة من حال إلى آخر. لا يلبث تمسكه بالشيء طويلاً ولا يبقى إعجابه فترة زمنية واضحة، كما لا يستمر تألمه من الحرمان وبكائه على فقد الشيء طويلاً كذلك. يقبل البدل والعوض في يسر وسرعة لكن بشرط أن يكون هذا العوض أكثر إغراء له بكبر حجمه أو بكثرة لمعانه أو بشدة تفاوته في اختلاط الألوان الزاهية، وإن كان ضعيف القيمة قليل الجودة.
لذا ينعدم الإيمان بشيء هنا في هذه المرحلة. وبالتالي لا يوجد كفاح من أجل العقيدة أو المبدأ. إذ مأخوذ في طبيعة الإيمان أنه ليس التصديق فحسب، بل الاستمرار فيما يصدق به الإنسان. وتختلف درجات المؤمنين حسب تفاوتهم في هذا الاستمرار لا حسب التصديق والإقرار.
الثبات على الشيء أو على المبدأ ميزة الرشيد من الإنسان. والتحول عن الشيء ميزة الطفل في طفولته الأولى أو ذلك الإنسان البدائي، وهو ذلك الذي لم تكتمل إنسانيته بعد. . .
سبب ذلك أن العالم مشحون بالمحسات أو الماديات والطفل مرتبط بما هو مادي محس أيما ارتباط لا يستطيع الانفكاك عنه إلى الآن. فهذه المادية اللانهائية للعالم لا تخلو من مغريات كثيرة تشغله في صحوته ويقظته، وهو منجذب نحو آحادها لا يلبث عند واحد منها إلا