ويتحدث بعد هذا الصراع، وهو يجر أذيال الهزيمة:
وما أنا إلا بعض هم تجسمت ... معانيه حتى أصبحت جسداً يجري
يقولون أين العزم قلت مضت به ... هموم عدت يوماً على العزم والصبر
كأن صروف الدهر بيني وبينها ... وما أحد يدري قديم من الوتر
فتى في إهابي ضاق صحن فؤاده ... بجيش من الآلام في ضحوة العمر
ويأبى الأسى المضني فراق صريعه ... إلى أن يراهم أودعوه ثرى القبر
ذلك بأن الموت طبيبه الذي سيشفيه من داء العيش:
أنا في الدهر حائر كيف ألقي ... أي أنس بما به فأطيب
كيف أهنا بالعيش، والعيش عندي ... مرض، والممات عندي الطبيب
ولطالما بحث عن همه ليعالجه، فما يرى إلا سحائب من دخان الهم يضيق بها صدره. ومما يزيد في ضيقه أن الناس إذ يريدون أن يخففوا عنه زفرة أو محنة أو لاعة أو نقمة إنما يلفظون بكلمة (أنت واهم) فما تفتح مغلقاً، ولا تأسو جرحاً.
إني لأبحث عن همي فأخطئه ... لكن أشم فؤادي وهو يحترق
كأن صدري وما ضمت أضالعه ... حصن إليه جيوش الهم تستبق
قالوا وهمت، ونال الوهم بغيته ... مني فهل وهموا في القول أم صدقوا
وفي قصيدة أخرى يقول:
قالوا: اصطبر، قلت أن الصبر قد نفذا ... فما يف أخوهم إذا اتأدا
قالوا اعتزم، قلت ضاق العزم وانفردت ... بي البوائق حتى أوهت الجلدا
ما حيلة المرء إن مال الزمان به ... إلا رضى بأسى يفري له الكبدا
أرعى همومي، وترعاني ولا أحد ... يحنو علي، فألقى فيه معتمدا
ويتذكر العاصي ليالي أنسه، ويداعب ذكريات عزه، ويتمنى لو تسكت عنه الهموم ويهدأ قلبه المتمرد:
فإن كان في هذا غد طاب لي غد ... وإلا فصبري في غد متمرد
فقد سار بي شوطاً بعيداً عن المنى ... وما هو للسير الطويل معود
فيل غد لا وافيت إلا بنصرتي ... فإن حياتي في يمينك يا غد