للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أهيم بوحدتي، وبقرب نفسي ... فود الناس حل به البوار

وحسبي أنني غرد طروب ... بأفكاري، وما في ذاك عار

فلا عجب إذا نقم على الحياة، وعلى الناس، وعلى نفسه إذ يقول:

يوقد النقمة في قلب الكريم ... سوء ما يلقى من الدهر اللئيم

وإذا تحطمت النفس اعتل الجسم، فلا راحة، ولا انسجام، واختل التوازن بين القوى في كيان الفرد.

مجمع الآلام حسمي ياله ... من صبور وحمول وكظيم

بل يروي هوة فاصلة بينه وبين الناس، ينكرهم وينكرونه لما يحس في نفسه من نقص:

أخالني وأخال الناس ترمقني ... عجيب خلق يحير الناس مرآه

ولو تراني مأخوذاً ومستلباً ... لخلتني موكلاً بالغيب أرعاه

ويقيني أن شاعرنا غير صادق إذ يقول:

لكنني وخطوب الدهر تعصف بي ... ثبت على كل ما في الدهر ألقاه

ألقى الهموم وتلقاني وأتركها ... يوما وتتركنني: كل لمثواه

هذه مغالطة نفسانية، وتعويض داخلي، ليت له قوة التأثير في نفس شاعرنا، ولكنه صريعاً منطول ما أوهت عزائمه الهموم التي قعدت بهمته، فأخلد إلى الأرض. قال:

شعرت بالهم حتى لا أحس به ... وقد تفيد فتى في الهم سكرته

أتى الزمان بدائي ثم أعجزه ... دواء دائي، وضاقت عنه همته

يا قوم ليس تفيد المرء همته ... إن أقعدته بهذا الدهر لوعته

وكما ضاق صاحبنا بالخل الوفي، ضاق أيضاً بالعيش الهنيء، وهو أظمأ ما يكون إليه، ولكن أين هو: -

ولعيش هانئ بي ظمأ ... بالغ للنفس ما بعده ري

يا بني الدنيا ويا عشاقها ... ويكمو أين هو العيش الهنيء

ثم يعود إلى لوعته تساوره ويساورها، ويحاول أن يزحزحها عن كاهله فيكل عنها، فيغالط نفسه مرة أخرى، ويدعي الثبات أمام ويلات الزمان.

لا ينثني عنه الزمان ولا يني ... عن نيله، وهو الكمي الأمرد

<<  <  ج:
ص:  >  >>