وما بي حب للحياة وإنما ... أعيش لتحيا في حماي الفضائل
فهو كهف للخيرات وحمى الفضائل. ويشهد معاصروه من زملائه بما كان له من آراء صائبة عند مناقشة أساتذته، وهو يسجل هذا فيقول:
أدفع القول فلا أبقى فتى ... سامعاً لي لم يصر من تبعي
وأرى الحق فلا أتركه ... ضائعاً ما بين قوم ضيع
تعرف الأقوام عني أنني ... أسمع الأقوام ما لم يسمع
وأغلب الظن أن لهذا البيت الأخير صلة بما وقع بينه وبين أستاذه الدكتور طه حسين بك يوم اعترض أحمد العاصي أثناء إحدى محاضرته، فلم يسمع الأستاذ واستمر يحاضر، فحسب العاصي أن الدكتور يحتقر هو يغضي عنه، فحز ذلك في نفسه وامتلأ غيظاً، فلم تكد تنتهي المحاضرة حتى هب العاصي محتجاً على الدكتور كيف يسأله فلا يجيب، فأخبره بأنه لم يسمعه ولو كان سمعه ما تردد في الجواب في الجواب والنقاش ولا سيما مع أحمد العاصي بما عرف عنه من قوة الحجة، وإجادة الجمال، ومع ذلك أصر العاصي على احتجاجه، والدكتور يخفف عن نفسه ويطيب خاطره على الرغم من خفوت صوت العاصي، ويقول:
أنافي العلم غلام لو ذعي ... وإذا ما قلت فالرأي معي
ومن ثنايا الديوان يخرج الشاعر المتمرد المنطوي على نفسه إلى عالم الناس جريئاً قوياً ثبت الجنان حقاً، فيعبر عن آمال مصر في جامعتها، ويحفز الهمم في حماسة الشباب، مفضياً عن محنة هو:
لا يصد المرء عن أغراضه ... محنة تزجي إليه أو سقم
ويؤذيه أن يرى ما بين بني قومه من شقاق، فيعتب عليهم في رفق:
تريدون بالشحناء نيل مرادكم ... وترجون الاستقلال بالأقوال
ويؤثر أن يختم ديوانه بقصة الموت، وهي تلك الساعة الرهيبة التي يستعجل فيها ملك الموت، مرحبا بة، ويستحثه على الصعود إلى العالم الباقي بروحه ليخلص من الأرجاس الدنيوية والهموم القائمة:
ساعة يؤنسني فيها الملك ... هامساً هيا لمن قد أرسلك