آذان لا تسمع، وقلوب لا تتعظ وليس كابن آدم يلدغ من الجحر سبعين مرة لا مرتين.
في سنة ٧٠٠ هـ وصل إلى القاهرة وزير ملك المغرب في طريقه إلى الحج، واجتمع بالسلطان الناصر وبالأمير بيبرس الجاشنكير وبالأمير سالار نائب السلطنة، فأكرموه وأنعموا عليه وعظموه غاية التعظيم. وفي بعض الأيام جلس الوزير المغربي بباب القلعة مع بيبرس، وحضر بعض كتاب النصارى، فتوهم المغربي بباب القلعة مع بيبرس، وحضر بعض كتاب النصارى، فتوهم المغربي بأنه مسلم، فقام إليه مسلماً معظماً، ولما علم أنه نصراني قامت قيامته وهاج هائجه، ودخل على السلطان مع بيبرس وتحدث في أمر اليهود والنصارى، وانهم في بلاد المغرب غاية الذل والهوان (لا يركبون الخيل، ولا يستخدمون في الدولة) أنكر على المصريين سماحهم للنصارى واليهود بلبس الثياب الفاخرة، ركوب الخيل، واستخدامهم في أكبر المناصب وتحكيمهم في رقاب المسلمين. واكثر من الكرم في هذا الباب، وذكر أن عهد ذمتهم قد انتهى سنة ٦٠٠ هـ، وقد أثر كلامه في السلطان والأمراء ولكن لم يأخذ أحد على عاتقه تنفيذ ما أشار به المغربي إلا بيبرس، لانه كان أكثرهم تديناً، فجمع النصارى واليهود، أعلنهم انهم لن يستخدموا في الجهات السلطانية، ولا عند الامراء، وكلفهم باختيار عمائم تخالف عمائم المسلمين، فلبس النصارى عمائم زرقاء، ويشدون زنانيرهم في أوساطهم، ويلبس اليهود عمائم صفراء وحدد بالتنفيذ (٢٢ رجب سنة ٧٠٠ هـ) للظهور بزيهم الجديد. وقد عرضوا على بيبرس (الأموال الكثيرة الخارجة عن الحد ليعفوا من ذلك فلم يقبل) فنفذوا الأمر في الميعاد مرغمين، في جميع بلاد المملكة من دنقلة إلى الفرات، والى هذا الحادث يشير الوداعي بقوله:
لقد ألزموا الكفار شاشات ذله ... تزيدهم من لعنة الله تشويشا
فقلت لهم ما ألبسوكم عمائم ... ولكنهم قد ألبسوكم براطيشا
ويقول شمس الدين الطيبي:
تعجبوا للنصارى واليهود معاً ... والسامريين لما عمموا خرقا
كأنما بات بالأصباغ منسهلاً ... نسر السمار فأضحى فوقهم ذرقا
سرت في الشعب موجة حماس ديني، واجب السلطان بحمية الجاشنكير وأنعم عليه بدخل