الإسكندرية مدة مقامه فيها للرياضة والنزهة، وأراد بيبرس إن يتخذ يداً أخرى عند المسلمين فأمر في ٧٠٢ بأبطال عيد الشهيد بمصر، وكان عند النصارى تابوت فيه إصبع، يزعمون أنه من أصابع بعض شهدائهم، وأن النيل لا يزيد ما لم يرم فيه هذا التابوت؛ فكان النصارى يجتمعون من سائر النواحي إلى شبرا في ٨ بشنس من كل سنة قبطية، ويحتفلون بهذا العيد (وكانت تثور فيه فتن وتقتل خلائق) وترتكب موبقات، وتستباح الحرمات، ويكثر اللهو والفجور، حتى قيل أن تاجراً واحداً باع خمراً في هذا العيد باثني عشر ألف درهماً. وقد شق أبطال هذا العيد على النصارى، وظاهرهم الأقباط اللذين اظهروا الإسلام وذهبوا إلى بيبرس وعرضوا عليه أموالا كثيرا، وخوفوه من عدم طلوع النيل، فلم يلتفت لكلامهم، وابطل هذا العيد إلى يومنا هذا.
في سنة ٧٠٣ وصل إلى دمشق رجل من بلاد التتار يقال له الشيخ براق روي عنه حوادث خارقة للعادة، ومعه نحو مائة فقير لهم هيئة عجيبة، وعلى رأسهم قلانس لباد مقصوص فوقها عمائم، فيها قرون من لباد تشبه قرون الجواميس وأجراس، ولحاهم محلقة، وشواربهم مرسلة، ولبسهم لبابيد بيض، وقد تقلدوا بحبال منظومة بكعاب البقر، وكل منهم مكسور الثنية العليا، وشيخهم جريء مقدام قوي النفس له محتسب يؤدب كل من يترك شيئا من سنته. وكان غازان ملك التتار يحترمه ويجله، ولكن بيبرس رأى في سنة الرجل مخالفة لسنة الإسلام، فطلب من السلطان منعه من الديار المصرية فرجع إلى بلاده وفيه يقول سراج الدين الوراق:
جتنا عجم من جو الروم ... صور تحير فيها الأفكار
لها قرون مثل الثيران ... إبليس يصيح فيهم زنهار
كان قد وقع بالقاهرة زلزال عظيم سنة ٧٠٢ دمر كثيراً من المساجد والمدارس فاخذ بيبرس يصلح ما تهدم ويجدد ما تقوض، ولم يكد ينتهي من إصلاح ما أفسده الزلزال حتى بدأ في سنة ٧٠٦ ينشئ الخانقاه الركنية، التي لا تزال إلى اليوم بشارع الجمالية بالقاهرة، وتعرف باسم شارع بيبرس، وقد ذكرها المقريزي في خططه (ص ٤١٦ ج ٢) فقال: (هي أجل خانقاه بالقاهرة بنياناً، وأوسعها مقداراً، وأتقنها صنعة (وقرر بها ٤٠٠ صوفي وبنى بجانبها رباطاً كبيراً لمائة جندي مرابط ولمن أخنى عليه الدهر من كرام الناس، وبنى في الجانب