أن أول واجب عليها للوصول إلى مآربها. إفساد ما بين الكفيلين، وضرب كل منهما بصاحبه، فسولت لها نفسها أن توقع بين سفيه من اتباع أحدهما وسفيه من أتباع الآخر، حتى يجر كل صاحبه إلى المخاصمة، وهي حيلة شيطانية لا يتقنها إلا من تربى في أغطان الفتن، وقد نجحت المؤامرة في شخصي الطشلاقي على البرواني أمام باب القلعة في حضور الأمراء؛ فشكا البرواني إلى بيبرس فأستدعى الطشلاقي ليعاتبهن فأساء في الرد وأفحش في القول، فأستل بيبرس سيفه ليضربه به ولكن الأمراء تكاثروا عليه ومنعوه منه، فأمر بيبرس بنفيه إلى دمشق، وأخذ سالار يرجوه في الإبقاء على حليفه، وبيبرس يأبى ويمدد مساوئه، وأثيرت المسألة في حضرة السلطان فأراد استغلالها لإثارة الفتنة بينهما، ولكنه لم يفلح، لأن سلار التزم الصمت وكان فيه دهاء وذكاء وحسن تدبير، فعلم أن وقوع الخلف بينهما، يجعل بنهايتهما، لأن الملك بدأت تظهر فيه رغبة جامحة للاستئثار بالملك والاستبداد به، وكان ذلك بدافع من خاصته وإشارة من بطانته لحاجة في أنفسهم.
وفي سنة ٧٠٧ جمع الملك بعض خاصته وعلى رأسهم بكتمر ويلبغا وأيدمر، وأمر بتدبير مؤامرة لاغتيال بيبرس وصديقه سالار، واتفق الجميع على تنفيذها، بعد إغلاق أبواب القلعة على البرجية وكلهم صنائع بيبرس، وبلغ الخبر سلار وزميله، فأمرا بأن يرد أبوابها، ويطرقها دون أن يغلق أقفالها، ويمر بالمفاتيح على السلطان كالعادة، ليظن إنها أغلقت، ففعل ذلك، ثم استدعى بيبرس بكتمر زعيم المتآمرين وأطلعه على ما بلغه فسقط في يده وتبرأ منه من المشاركة في ذلك ونست المؤامرة إلى السلطان، وحلف له أنه سيكون معه عليه، ولم يبارح منزله حتى لا يشك، وانتظر السلطان ومن معه حضور بكتمر لتنفيذ المؤامرة فلم يحضر، فبعث في إحضاره فوجده في بيت الجاشنكير فعلم أنه غدر به وأفشى سره، وتوقع المكروه من بيبرس وسلار، فأرسل بعض البطانة تستنجد بالشعب لينقذه مما وقع فيه) فلم تفتح الأسواق وخرج العامة والأجناد إلى تحت القلعة، وأرسل بيبرس بعض الأمراء ليحولوا بين الملك وبين النزول من القلعة والاتصال بالعامة. وضاق الملك ذرعاً بموقفه فأرسل إلى بيبرس) إن كان غرضكم في الملك فما أنا متطلع إليه فخذوه وابعثوني أي موضع أردتم) فرد عليه بيبرس (أن السبب هو من عند السلطان ومن المماليك الذين يحرضونه) وأخذت الرسل تغدو وتروح بين السلطان وبيبرس بمثل هذه المعاني.