غير أن الفتى يغالبه الدمع فلا يستطيع للدمع صدا ثم يعلل نفسه، ويخفف من حزنه على الملك الراحل، بذكر الفاروق - وفاء له - في مقام الولاء لأبيه، فهو أمل الشعب المرجى، قد قرأ خطه في ملامحه وعلق آماله على مليكه وسلطانه.
أمل الشعب في خليفتك ألفا ... روق أحيا آماله وأجدا
قرأ الشعب في ملامحه الغ ... ر سطور المهنى وأبصر جدا
ورأى فيه نبعة المجد والنب ... ل أبا مفرد الجلالة وجدا
لم يجد للعلا سواه مثيلا ... ولبدر السماء إلاه ندا
لقد صدر الجارم في قصائد ولائه عن طبعه الشاعري، فلم يقهر المعاني أو يحشر الألفاظ بل أنثالت عليه المعاني في تداع طبيعي وانقادت له الألفاظ آخذا بعضها برقاب بعض، وواتته القوافي طيعة لينة فكان ذلك كأنه من قصده ابن قنيبة في قوله (والمطبوع من الشعراء من سمح بالشعر واقتدر على القوافي، وأراك في صدر بيته عجزه وفي فاتحته قافيته وتبينت على شعره رونق الطبع ووشى الغريزة. . .) ولعل سر نجاحه في هذا الباب صدق عاطفته وقوة شعوره، فإن صدق العاطفة وعمق الشعور يكسبان الأسلوب صفة القوة متى كان صاحبها قوي السلطان اللغوي خبيرا بفن التعبير وما نظن أن حظ الجارم من هاتين المنزلتين قليل.
وبعد فهذا ولاء الجارم لعرش بلاده هتف به في شعره وشدا به في بيانه بعد أن آمنت به نفسه فجعله فرضاً لازماً به عليه وعلى الشعب فقال: -