الهرب، وما يرويه المؤرخون من أن له مذكرات قذف بها في نهر دجلة. وأما الثانية ففي ديوانه المطبوع ما يكفي للتدليل عليها؛ ففي الديوان قصائد كثيرة نظمها في مصر وفيها دعوة إلى الحرية وتنديد بسياسة الأتراك منه وانتهاء حكمهم له، ورغبة ملحة في أن يحكم العراقيون أنفسهم بدلا من أن يحكمهم أي أجنبي. وهذه العواطف التي تنساب في قلب الكاظمي تجدها ماثلة في قصيدته (ذكرى الفتوح) وقد نظمها يوم حملت له أنباء هزيمة الأتراك من العراق.
عسى بغداد يوقظها بياني ... فتقرأ فيه أبكار المعاني
مضى أمس فلا يرجى لأمس ... مآب أو يؤوب القارظان
فلا العهد الذميم له بباق ... ولا الذكر الحميد لنا بفان
ونجد الشاعر يعبر بوضوح عما كان يعانيه في العراق من اضطهاد العثمانيين له وأنه لم يستطع أن يجاهر بآماله وخواطره حتى إذا استقر به المقام في مصر وانتهت دولة الأتراك من العراق لم يجد ضيقا في مجال التنفس ولا حرجا في البوح بما يكنه لبلاده.
هل الزوراء تعلم ما عراها ... غداة دنى النفير وما عراني
أبوح بما أكن وكنت دهرا ... أحاذر أن أبوح بما أعاني
ويهتز الشاعر بشرا حين استراحت بغداد من الأتراك.
أتاني أن بغداد أريحت ... فلا كذب البشير بما أتاني
أريحت من ليال كن ناراً ... فمن بكر تشب ومن عوان
ورد لها التراث فلا بعيد ... ينازعها التراث ولا مدان
ثم يدعو بغداد إلى الاستمرار في الجهاد وبحثها على السير في طريق الاستقلال.
أعيذك غرة البلدان من أن ... تخوري في جهادك أو تواني
إذا نامت ظباك فقل سلام ... على تلك المنازل والمغاني
بنوك الغر أم (جنكيز) أحرى ... بهذا الملك من قاص ودان
فسيري لا سرت لك غير بشرى ... يسيل بها لديك الرافدان
ويكرر هذه العاطفة في قصيدة عنوانها (أنين وحنين) وأولها شعر تقليدي الأسلوب ولكنه لا يخلو من عاطفة الشاعر المحب لوطنه ولبلادة. وبعد هذا الحنين والشوق يبكي مجد بغداد