الغابر وتاريخها الذهبي أيام بني العباس.
أين تلك القصور والدور أضحت ... حيث أضحت مقابراً وسجونا
ما ذكرنا تلك الليالي إلا ... وبكينا هارون والمأمونا
ثم يخاطب بغداد بأبيات تدل على حزنه الكامن وتفجعه بما جرى على بغداد من نكبات.
اقصري الشكوى يا ربوع المعالي ... رب شكوى سرت فكانت أنينا
لم يخنك الأمين يوم تولا ... ك ولكنك ائتمنت الخئونا
كان للعدل من ثراك نصيب ... عبثت فيه أثرة الحاكمينا
ومن الملكين من لا يرى الم ... لك سوى آلة تقيه المنونا
يستفز القانون والدين لكن ... لا يراعي دينا ولا قانونا
ومثل هذه القصيدة قصائد أخرى تتشابه معهما في الدوافع والإحساس وفي العاطفة الصادقة التي يثيرها الحنين إلى الوطن والتطلع إلى الحرية المحروبة أمام الغشم والاستعمار
ونجد الكاظمي في قصائد غير قليلة يمدح الملك الحسين وأولاده ويشير إلى ثورتهم على الأتراك وأعمالهم كما يجب أن يكون عليه الشعر السياسي بل يجتاز هذا إلا قليلا ويترك شاعريته تنطلق في آفاق المدح وإطراء الممدوحين ومواقفهم في سبيل العرب والأمة العربية. غير أن هذه القصائد لا تخلو من العطفة القومية التي تجري في عروق الشاعر وتتبلور في أفكاره وتأملاته فهي تفيض بالشعور العميق لتأييد الثورة العربية على الأتراك. ونترك استعراض هذه القصائد لطولها وما فيها من مدح وثناء يكاد يكون مكرراً مسموعا ولما فيها من لهجة قاسية على الأتراك مكتفين ببيتين من قصيدة عنوانها (هذا الحسين) ويعني الحسين بن علي ملك الحجاز آنذاك
أمطرت بالبيض الذكور مطهرا ... أرض بها عاث الشرير ودنسا
ونجابك البيت الحرام وللورى ... أمل بأن تنجي ظباك المقدسا
من هذا الذي درسناه يتضح لنا أن الكاظمي صاحب عقيدة دينية راسخة القواعد لا يرضى لها أن تذل وتخضع لأية عقيدة أخرى، وعاطفة قومية عنيفة لا يريد لها أن تتصاغر لأية أمة أخرى ولو كانت من المسلمين. وهو في كلتا الحلتين واسع الآمال والأبعاد لا يحتويه العراق - وإن كان وطنه الحبيب - ولا الجزيرة العربية - وإن كانت مهد العرب - بل