كان يخفق بجناحيه في آفاق العروبة أينما حلت وأيان أقامت، وفي دنيا المسلمين مهما اتسعت رقعتها. على أن الكاظمي شاعر إنساني يحب الخير للبشر جميعا ولكن الحديث عن إنسانيته لا يستقيم لنا في هذا البحث المحدود.
بقي أن نشير إلى شيء له علاقة بالموضوع الذي نتحدث فيه وهو أن الكاظمي لم يشر إلى عودة الدستور في تركيا ولم يتحدث عنه بخير أو شر كما سنرى ذلك عند الزهاوي والرصافي ولاسيما أن إعلان الدستور اتفق أيام كان الكاظمي في مصر التي كانت منفصلة عن الخلافة العثمانية. وفي حيث لا يخشى الشاعر بأس أحد. يضاف إلى هذا أن إعلان الدستور كان بأمر من عبد الحميد ذلك الرجل الذي مدح مع من مدح في قصيدة (حرب الحياة الباقية) التي أشرنا إليها في صدر البحث. ولعل الكاظمي قد قال في ذلك شيئا ولكنه لم يصل إلينا.
الزهاوي
لا نريد أن نترجم لجميل صدقي الزهاوي ترجمة تاريخية. ولا نريد أن نتتبع حياته المادية كيف قضاها، وكيف كان يحياها. بل نريد أن نتحدث عنه كما تحدثنا عن الكاظمي فلا نتجاوز شعره ولا نلم إلا بالسياسي منه. وندع هذا الشعر نفسه يصف لنا جوانب من حياة الشاعر في بغداد وفي تركيا وما لاقى من اضطهاد وتشريد بسبب دعوته إلى التحرر من حكم العثمانيين فكان ثائرا حانقا شديد اللهجة على خصومه أيام استبدادهم، ثم هادئا مطمئنا كبير الأمل يوم أعيد الدستور. وفي ديوانه (الكلم المنظوم) دليل واضح على ثورته واستيائه من سياسة العثمانيين ودعوته الجريئة إلى التخلص منهم. وشعره هذا لا يخلو في كثير من المواطن من الناحية القصصية التي يتحدث بها عن حياته وما كان يلاقيه من الجواسيس والحكام وما ينزلون من بلاء على كل بريء يدركونه؛ فدولة الأتراك في ذلك الوقت - كما يراها الزهاوي - دولة همجية تعبث بالعراق وسوريا واليمن وتجوز على هذه الأقطار وتستنفذ خيراتها بلا وازع ولا ضمير، والسلطان لا يرتضي ري ناصح ولا يستجيب لمشورة أحد، ولا يعمل بما أنزله الله وما صدع به النبي الكريم. نجد هذا في قصيدة عنوانها (حتام تغفل) وقد نظمها أيام طغيان عبد الحميد وقبل إعلان الدستور بسنوات قليلة. ومنها: