بأخرة تنصف المظلوم من الظالم، وتعوض الفضل من المفضول، وما آمن ابن العاص حتى فكر فوجد العرب أقوم أخلاقا من العجم، والعجم أسعد دنيا من العرب، فقال لا بد من آخره تقيم هذا العوج. أقول هذا لأن بيبرس المستقيم العفيف المخلص العفيف النزيه، ما كاد يجلس على العرش حتى بدأ سوء الطالع يلازمه، فقد فشت في البلاد أمراض حادة، وعم الوباء الخلائق، وعز التداوي، وامتنع كل ما يحتاج إليه المرضى، ثم تأخر فيضان النيل إلى شهر مسرى، فارتفع سعر القمح وعم الغلاء جميع السلع، ولم يزد النيل في هذه السنة عن ست عشرة ذراعا فشرقت أرض كثيرة وتوقع الناس مجاعة قاسية، ودبت عقارب السعاية بين الشعب مستغلة الظرف (فتشاءم الناس بطلعة الملك المظفر بيبرس) وصنع العوام أغنية صاروا يتغنون بها وهي:
سلطاننا ركين ... ونائبنا دقين يجينا الماء من أين
يجيبوا لنا الأعرج ... يجي الماء ويدحرج
يقصدون بركين ركن الدين بيبرس، وبدقين سلار لأنه كان مغولبا أجردفي حنكه بعض الشعرات، وبالأعرج الملك الناصر لأنه كان كذلك، وقد أخذ بعض المحبين للملك يضربون من يغني هذه الأغنية، فكانوا كالدية المخلصة لصاحبها، رضي الله عنها، إذ سببوا ازدياد الكراهة من الشعب للملك، وولوعه بهذه الأغنية حتى كانوا يغنونها تحت سور القلعة، فوضعت الوحشة بين المظفر وبين عامة الشعب.
أمراء الشام:
تزعم حركة الولاء للناصر، وعدم الاعتراف بسلطنة الجاشنكير، ثلاثة من كبار أمراء الشام. هم قراسنقر نائب حلب، وقبجق نائب حماة، واستدمر نائب طرابلس، وكان أكبرهم وزعيمهم قراسنقر، أما الأفرم نائب دمشق فكان أخلص الناس للجاشنكير إذ كان جركسيا مثله لذلك بايع الأفرم وأرسل إلى الثلاثة السالفين؛ فأما قراسنقر فقال لرسول الأفرم: إيش الحاجة لمشورتنا بعد أن حلف أستاذك وبايع وكان الأولى أن يتأتى، وأما قبجن فقال للرسول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إيش جرى على ابن أستاذنا حتى عزل نفسه! والله لقد دبرتم أنحس تدبير، اذهب إلى أستاذك وقل له الآن بلغت مرادك، وسوف تبصر من يصبح ندمان وفي أمره حيران. وأما استدمر فقال للرسول: اذهب إلى أستاذك