عليه، غير أن لكل ملك انصرام، ولانقضاء الدولة أحكام، ولحلول الأقدار سهام، ولأجل هذا أمرك غيك بالتطويل، وحسن لك زخرف الأقاويل. فالله الله حال وقوفك على هذا الكتاب يكون الجواب حضورك بنفسك ومعك مماليكك، وإلا تعلم أنا ما نخليك في الكرك، ويخرج الملك من يدك والسلام).
تنازل مصطنع:
لما قريء الكتاب على الناصر تبسم وقال: لا إله إلا الله! كيف أظهروا ما في صدورهم! ثم أمر بإحضار آلة الملك مثل العصائب والكوسات والهجن وكل ما كان عنده من شارات الملك وسلمها للرسول. وقال له: قل لهم ما أخذت لكم شيئا من بيت المال، حتى الهدايا أرجعتها إليكم، ولن أعمل سلطانا، فدعوني في هذه القلعة، منعزلا عنكم إلا أن يفرج الله تعالى أما بالموت وأما بغيره. وسلم كتابا بالتنازل عن السلطنة، وعاد الرسول إلى مصر ودفع الكتاب لبيبرس وسلار وسلمهما شارة الملك، (فلما قرأ الكتاب قالا: (لو كان هذا الصبي يجئ ما بقي يفلح، ولا يصلح للسلطنة، ولا نأمن غدره).
تشاور وبيعة:
اجتمع بيبرس وسلار وسائر الأمراء بدار النيابة بالقلعة، واستدعوا الخليفة وقضاة المذاهب الأربعة، وقرئ كتاب الناصر، وشهد الأمراء الذين عادوا من صحبته بتنازله عن العرش فأثبت ذلك، وبحثوا فيمن يصلح للسلطنة بعده، واختلفوا بين سلار وبيبرس فأنهى سلار الخلاف بأن قام وبايع بيبرس، فقبلها الأخير مكرها (وجلس على تخت الملك وهو يبكي بحيث يراه الناس) واشترط لقبوله الملك أن يبقى سلار نائب السلطنة، فقام الأمراء إليه حتى قبلها ولبس خلعة النيابة.
حرب السماء:
كأن من شيم الأيام عداوة الكرام، وكأن الزمان حليف الأخس، وكأن وظائف السياسة ملعونة منحوسة لا يسعد فيها إلا كل ملعون نحس، فطالما رأينا عوامل الطبيعة تتضافر مع لئام الناس في حرب الكرام، وقلما رأينا الحق في صراعه مع الباطل إلا مهزوما، وكلما صنع اللئيم سنانا لحرب الكريم أنبت الزمان قناة لسنانه، ولولا هذه المشاهدات، ما آمن الناس