يستطيع المرء أن يجد حمارا في مثل نشاط حماري الأسود الصغير؟
بيد أنه عندما ابتعدنا عن الغابة، حدثت قصة أخرى. إذ لم يقبل الحمار التحرك خطوة واحدة، ذلك الحمار الفريد! وظننت أنه قد يلين إذا ما دللته بعبارات متملقة، فلم يأبه بي. وفكرت أن أحركه بعصا فلم يتحرك، بل وظل واقفا هناك وسط الطريق.
ومر علينا الناس الذين كانوا في السوق، أقبلوا في حال من البهجة. فنصحوني أن أفعل كذا، وأصنع كذا. بيد أنه عندما نصحني مازح منهم أن أضع الحمار على ظهري، فرغ صبري، وقذفت ذلك الوقح بالحجارة.
وأخيرا، اضطررت أن أترجل وأسحب الحمار في الطريق رغما عن أنفه. وما أكثر الشتائم التي أمطرتها على ذلك اللص الذي باعني هذا الوحش الثمين!
ولكن سرعان ما لاحظت ظاهرة غريبة. رأيت الحمار في حالة عصبية، وبدا لي أنه يجفل من تلاعب الريح بالأفنان. فعندما مر تحت أذرع الشجر النامي على جانبي الطريق، تلاشى كسده، وأصبح من المتعذر كبح زمامه، وقفت أذناه في بادئ الأمر، ثم هز نفسه كما يفعل الكلب عند ابتعاده عن الماء، ثم انطلق كأنه الزوبعة
يا لحظي، لقد كشفت سره.
وقيدته على باب كوخ ثم ذهبت إلى الغابة، وانتزعت كمية من الحشائش وأوراق الشجر، وكونت منها حزمة، ثم وضعتها على مقربة من عنقه، فوق أذنيه.
يا للحيوان المسكين! إنك لن ترى له مثيلا في سرعته لما عدا. فقد كان يظن، بسبب ما يسمعه من موسيقى منبعثة فوق أذنيه، أنه لا يزال في الغابة. وعندما وصلنا إلى باليفهان، قامت القرى لتشاهد الأعجوبة - أنا وحماري الصغير الأسود المتحلي بتاج من أوراق الشجر.
إني لا أزال أملك ذلك الحمار الأسود الصغير، وسأظل أحتفظ به مدى الحياة. لكم رحلنا أميالا طويلة في الطريق الموحشة، وفي مختلف الأجواء. وكان يهتدي إلى طريقه في مهارة، مع أن سيده للأسف قد فشل في ذلك. وإني أعتقد أن المتشرد الصغير كان يعرف أن سيده ليست له المقدرة على الاهتداء. ولكنك لن تشاهد مثل كبريائه عندما ابتعت له مركبة خضراء جميلة وعاد المخلوق المسكين أصغر سنا مما كان، منذ أن قيدته بالمركبة.