الحيف عن الشعوب المكبلة بالأغلال.
وتنتهي هذه القصة المؤلمة بالاستنكار لهذا الوضع الجائر ولتحمل الأذى والظلم، ووصف ما كان يلاقيه الشاعر من تهديد بالموت الذي هو خير من هذه الحياة الداكنة:
إلى أي وقت نعبد الظلم خشية ... فنسجد للقوم البغاة ونركع
حملنا الأذى حتى حنى من ظهورنا ... وقيل لنا لم يبق في القوس منزع
يهددني بالموت قوم وأنه ... لدون الذي من عسفهم أتجرع
وللموت خير من حياة مهانة ... يرى الحر وجه السوء فيها ويسمع
ويرسم لنا الزهاوي صورة أخرى لهذا الظلم. وقصة من تلك القصص التي تتجدد كلما تجدد والي أو حاكم. قصة الأحرار المشردين، والسكاكين التي تشحذ كل يوم، والرعية التي تساق سوق الأغنام، والرشوة التي قضت على معالم العدل وغيرت مجرى القوانين. كل ذلك نجده في قصيدته (الظلم والعدل):
تأن في الظلم تخفيفاً وتهويناً ... فالظلم يقتلنا والعدل يحيينا
يا مالكاً أمر هذي الناس في يده ... عامل برفق رعاياك المساكينا
لهوت عنا بما أوتيت من دعة ... فابيض ليلك واسودت ليالينا
ثم يستعرض بكاء الأرامل وتقتيل الشباب، وقسوة الولاة والرشوة وضياع العدل:
كم من نسوة قتلت ظلماً بعولتها ... فصرن يهملن دمعاً قبله صينا
وكم شباب من الأحرار قد هلكوا ... وللإرادات قد صاروا قرابينا
قست قلوب ولاة أنت مرسلهم ... كأنما الله لم يخلق بها لينا
تراهم أغبياء عند مصلحة ... وفي المفاسد تلقاهم شياطينا
وضاع في الملك عدل يستظل به ... ما بين إغماض مرشي وراشينا
إن الرعية أغنام يحد لها ... عمالك المستبدون السكاكينا
ولكن:
ما جاءنا الشر إلا من تهاوننا ... ما عمنا الظلم إلا من تغاضينا
إن في ديوان (الكلم المنظوم) كثيراً من هذا النغم الثائر الحزين الذي يتدفق عن حرارة ولهفة وينبع من أعماق النفس، وكله لا يختلف من حيث العاطفة المشبوبة والموسيقى