للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يصطلح عليه الناس؛ فإن الخروج من الحدود الضيقة للألفاظ إلى الحقائق الشاملة هو الاستقامة بالحياة على طريقها المؤدي إلى نعيم الآخرة وثوابها.

وهناك ذاتان لكل مؤمن: إحداهما غائبة عنه، والأخرى حاضرة فيه، وهو إنما يصل من هذه إلى تلك، فلا ينبغي أن يحصر السيماوية الواسعة في هذه الترابية الضيقة. والقبح إنما هو لفظ ترابي يشار به إلى صورة وقع فيها من التشويه مثل معاني التراب. والصورة فانية زائلة، ولكن عملها باقٍ؛ فالنظر يجب أن يكون إلى العمل. فالعمل هو لا غيره الذي تتعاوره ألفاظ الحسن والقبح.

وبهذا الكمال بالنفس، وهذا الأدب، قد ينظر الرجل الفاضل من وجه زوجته الشوهاء الفاضلة، لا إلى الشوهاء، ولكن إلى الحور العين. إنهما في رأى العين رجل وامرأة في صورتين متنافرتين جمالاً وقبحاً؛ أما في الحقيقة والعمل وكمال الإيمان الروحي فهما إرادتان متحدتان تجذب إحداهما الأخرى جاذبية العشق وتلتقيان معاً في النفسين الواسعتين، المراد بهما الفضيلة وثواب الله والإنسانية؛ ولذلك اختار الإمام احمد بن حنبل عوراء على أختها، وكانت أختها جميلة، فسأل: من أعقلهما؟. فقيل: العوراء. فقال: زوجوني إياها. فكانت العوراء في رأي الإمام وإرادته هي ذات العينين الكحيلتين، لوفور عقله وكمال إيمانه.

قال أبو عبد الله: والحديث الشريف بعد كل هذا الذي حكيناه يدل على أن الحب متى كان إنسانياً جارياً على قواعد الإنسانية العامة، متسعاً لها غير محصور في الخصوص منها - كان بذلك علاجاً من أمراض الخيال في النفس، واستطاع الإنسان أن يجعل حبه يتناول الأشياء المختلفة، ويرد على نفسه من لذاتها، فإن لم يسعده شئ بخصوصه، وجد أشياء كثيرة تسعده بين السماء والأرض، وإن وقع في صورة امرأته ما لا يعدّ جمالاً، رأى الجمال في أشياء منها غير الصورة، وتعرّف إلى ما لا يخفى، فظهر له ما يخفى.

وليست العين وحدها هي التي تؤامر في أي الشيئين أجمل، بل هناك العقل والقلب، فجواب العين وحدها، إنما هو ثلث الحق. ومتى قيل (ثلث الحق) فضياع الثلثين يجعله في الأقل حقاً غير كامل.

فما نكرهه من وجه، قد يكون هو الذي نحبه من وجه آخر، إذا نحن تركنا الإرادة السليمة

<<  <  ج:
ص:  >  >>