الصورة البتة، وألا يجري في لسانه لفظ القبح وما في معناه، موصوفاً به هذا الجنس الذي منه أمه: أيودّ أحد أن يمزق وجه أمه بهذه الكلمة الجارحة؟
وقد كان العرب يفضلون لمعاني الدمامة في النساء ألفاظاً كثيرة؛ إذ كانوا لا يرفعون المرأة عن السائمة والماشية. أما أكمل الخلق صلى الله عليه وسلم، فما زال يوّصي بالنساء ويرفع شأنهن، حتى كان آخر ما وصى به ثلاث كلمات كان يتكلم بهن، إلى أن تلجلج لسانه وخفي كلامه؛ جعل يقول (الصلاة. . الصلاة. وما ملكت أيمانكم، لا تكلفوهم ما لا يطيقون؛ اللهَ اللهَ في النساء.)
قال الشيخ: كأن المرأة من حيث هي إنما هي صلاة تتعبد بها الفضائل، فوجبت رعايتها وتلقيها بحقها. وقد ذكرها بعد الرقيق، لأن الزواج بطبيعته نوع رق؛ ولكنه ختم بها وقد بدأ بالصلاة، لأن الزواج في حقيقته نوع عبادة.
قال الشيخ: ولو أن أماً كانت دميمة شوهاء في أعين الناس لكانت مع ذلك في عين أطفالها أجمل من ملكة على عرشها؛ ففي الدنيا من يصفها بالجمال صادقاً في حسه ولفظه، لم يكذب في أحدهما، فقد انتفى القبح إذن، وصار وصفها به في رأى العين تكذيباً لوصفها في رأى النفس، ولا أقل من أن يكون الوصفان قد تعارضا فلا جمال ولا دمامة.
قال الشيخ وأما في معنى الحديث، فهو صلى الله عليه وسلم يقرر للناس أن كرم المرأة بأمومتها، فإذا قيل: إن في صورتها قبحاً فالحسناء التي لا تلد أقبح منها في المعنى. وانظر أنت كيف يكون القبح الذي يقال إن الحسن أقبح منه. . .!
فمن أين تناولت الحديث رأيته دائراً على تقدير أن لا قبح في صورة المرأة، وإنها منزهة في لسان المؤمن أن توصف بهذا الوصف، فإن كلمات القبح والحسن لغة بهيمية تجعل حب المرأة حباً على طريقة البهائم، من حيث تفضلها طريقة البهائم بأن الحيوان على احتباسه في غرائزه وشهواته لا يتكذب في الغريزة ولا في الشهوة بتلوينهما ألواناً من خياله، ووضعهما مرة فوق الحد، ومرة دون الحد.
فأكبر الشأن هو للمرأة التي تجعل الإنسان كبيراً في إنسانيته، لا التي تجعله كبيراً في حيوانيته، فلو كانت هذه الثانية هي التي يصطلح الناس على وصفها بالجمال فهي القبيحة لا الجميلة، إذ يجب على المؤمن الصحيح الإيمان أن يعيش فيما يصلح به الناس، لا فيما