فعلوه. . . وعلمت أنهم إنما هربوا خوفاً على حياتهم، واستجاروا بالمملوك، والمملوك يستجير بظل الدولة المظفرية. . . والمملوك يسأل كريم العفو والصفح الجميل، والله تعالى قال في كتابه الكريم، وهو أصدق القائلين (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين).
عرش يتهاوى
وصل هذا الجواب للملك المظفر فاطمأن خاطره، واستنام إلى الخديعة، ولم يقرع له ناقوس الخطر إلا كتاب وصل إليه من الأفرم نائب دمشق بأن الناصر خرج من الكرك بقضه وقضيضه، وأن كل أمراء الشام قد انحازوا إليه بعساكرهم وأموالهم، وأن منابر الشام بدأت تدعو للناصر ومنعت اسم بيبرس من الخطبة، وشاع خبر خروجه في مصر، فازدادت حركة الهرب والانحياز إليه من المماليك والأمراء، ثم أخذ المظفر يرسل الجيش تلو الجيش لمحاربة الناصر فيفر الجنود والأمراء ويلتحقون بجيش الناصر في الشام.
يجني عليه اجتهاده
هال المظفر ما يدور حوله، وشعر بحرج مركزه فرأى تجديد البيعة لنفسه، واستدعى الخليفة، وحلف بين يديه الأمراء، واستكتبه عهداً جديداً ليتلى في المساجد على مسامع الشعب، ونسخة العهد:(إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي الربيع سليمان بن أحمد العباسي إلى أمراء المسلمين وجيوشها (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وإني رضيت لكم بعبد الله تعالى الملك المظفر ركن الدنيا نائباً عني لملك الديار المصرية والبلاد الشامية وأقمته مقام نفسي لدينه وكفاءته وأهليته، ورضيته للمؤمنين، وعزلت من كان قبله بعد علمي بنزوله عن الملك، ورأيت ذلك متعيناً علي، وحكمت بذلك الحكام الأربعة، واعلموا رحمكم الله أن الملك عقيم ليس بالوراثة لأحد خالف عن سالف ولا صاغر عن كابر، وقد استخرت الله تعالى ووليت عليكم الملك المظفر فمن أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى أبا القاسم ابن عمي صلى الله عليه وسلم. وبلغني أن الملك الناصر ابن السلطان الملك المنصور شق العصا على المسلمين، وفرق كلمتهم وشتت