شملهم، وأطمع عدوهم فيهم، وعرض البلاد الشامية والمصرية لسبي الحريم والأولاد، وسفك الدماء وأنا خارج إليه ومحاربه إن استمر على ذلك. . .
وقد أوجبت عليكم يا معاشر المسلمين كافة الخروج تحت لوائي اللواء الشريف. . .
ولما قريء هذا العهد على منابر مساجد القاهرة وبلغ القارئ اسم الناصر صاحت العوام نصره الله نصره الله، ولما وصل إلى اسم الملك المظفر صاحوا لا لا، ما نريده، وقامت ضجة وحركة في القاهرة ومصر بسبب ذلك.
حتى ختنه وصديقه
كان بروغلي قائد قواد بيبرس وزوج ابنته لما رأى العسكر والقواد يفرون إلى الناصر طلب إلى المظفر أن يقود الجيش بنفسه فتعلل بيبرس بكراهيته للفتنة وسفك الدماء، واكتفى بتجديد البيعة وعهد الخليفة، فلم يرق ذلك في نظر بروغلي، وقال له على لسان الرسول (يا بارد الذقن هل بقي أحد يلتفت إلى الخليفة؟) ثم هرب مع جيشه وانضم للناصر وإذ ذاك سقط في يد المظفر وعلم بزوال ملكه، وظهر عليه اختلال الحال وأخذ خواصه يلومونه على أخطائه، ككل ملك يأفل نجمه فيكثر ناقدوه وتعد حسناته سيئات، وكان أكثر لومهم له في إبقائه سلار، وإغضائه الطرف عنه، مع أن جميع ما حصل من اختلال الدولة بسببه؛ فإنه لما فاتته السلطنة وقام بيبرس فيها حسده على ذلك، ودبر عليه، واشترك في إثارة الفتنة مع دسائس الناصر (وبيبرس في غفلة عنه فإنه كان سليم الباطن لا يظن أن صديقه يخونه).
ويل للمغلوب
بلغ من انحلال أمر بيبرس أن العوام كانوا يعلنون سبه في الشوارع، ويهتفون به تحت أسوار القلعة، فلم يجد بداً من أن يكتب للناصر بتنازله عن الملك وقال في كتبه (إن حبستني عددت ذلك خلوة، وإن نفيتني عددت ذلك سياحة، وإن قتلتني كان ذلك شهادة) ثم فكر في ترك القاهرة خلسة والسفر إلى أسوان للاحتماء ببلاد النوبة، لأنها من قديم مهرب لمن هوى نجمه من أمراء مصر وحكامها (فكأنما نودي في الناس بأنه خرج هارباً، فاجتمع العوام وعندما برز من باب الإسطبل صاحوا به وتبعوه ثم تجاوزا الحد في إهانته وشتمه