ولإيضاح علاقة هذه الأقسام الثلاثة من النفس ببعضها، يورد الإمام الغزالي عدة أمثلة، نقتبس منها مثالاً واحداً. . . نوضح به العلاقة القائمة بين هذه الأقسام من النفس:
(إن مثل نفس الإنسان أعني النفس اللطيفة - أو (الأنا) على حد تعبير فرويد - كمثل ملك في مدينته ومملكته، لأن البدن مملكة النفس وعالمها ومستقرها؛ وجوارحها وقواها بمنزلة الصناع والعمال، والقوة العقلية - أي النفس المطمئنة (أو الأنا الأعلى) على حد تعبير فرويد. . . له كالمشير الناصح والوزير العاقل. . والشهوة. . أي النفس الأمارة بالسوء أو (ألهو) على حد تعبير فرويد. . كالعبد السوء يجلب الطعام والميرة إلى المدينة.
والغضب والحمية له كصاحب الشرطة. والعبد السوء (ألهو) الجالب للميرة، كذاب خداع خبيث يتمثل بصورة الناصح، وتحت نصحه الشر الهائل والسم القاتل، وديدته وعادته منازعة الوزير الناصح (أي الأنا الأعلى) في آرائه وتدبيراته، حتى أنه لا يخلو من منازعته ومعارضته ساعة. كما أن الملك في مملكته إذا كان مستغنياً في تدبيراته بوزيره ومستشيراً له ومعرضاً عن إشارة العبد الخبيث مستدلاً بإشارته، على أن الصواب في نقيض رأيه حتى يكون العبد مسوساً لا سائساً ومأموراً مديراً لا أميراً مديراً استقام أمر بلده وانتظم العدل بسببه.
كذلك النفس متى استعانت بالقوة العقلية المدركة (المطمئنة) أو (الأنا الأعلى) وأدبت حمية الغضب وسلطتها على الشهوة، واستعانت بإحداهما على الأخرى. . تارة بأن تقلل مرتبة الغضب وغلوائه بمخالفة الشهوة واستدراجها، وتارة يقمع الشهوة وقهرها بتسليط الغضب والحمية عليها وتقبيح مقتضياتها، اعتدلت قواها وحسنت أخلاقها، ومن عدل عن هذه الطريقة، كان كمن قال الله تعالى فيه (أرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم).
فلست أدري، بعد هذا. . هل أنا مصيب في قولي إن الغزالي قد تطرق إلى التقسيم الثلاثي للنفس قبل أن يتطرق إليه فرويد أم لا؟!