للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوية ناجحة، فاستطاع بذلك أن يجمع هاتين الطائفتين المختلفتين من القراء على الإقبال عليه، والإعجاب به، والتشييع له؛ لأنه جمع بين المتعة الفنية الكاملة التي يحققها التعبير الرائع، والتصوير البارع، والعرض الخلاب، والمنفعة الاجتماعية التي يجلبها تصوير المشكلات الاجتماعية المختلفة تصويراً دقيقاً، والدعوة القوية إلى حياة تقل فيها المشكلات إن لم تنعدم، وتتحقق فيها العدالة الاجتماعية، والحرية الإنسانية، على نحو يرتفع بالحياة البشرية عن المستوى الذي نزلت إليه.

وهذا اللون نادر في أدبنا العربي المعاصر. ولا يوجد في هذا الأدب ما يمثل اللون الفريد النادر كما يمثله أدب طه حسين في كتبه الكثيرة المنوعة.

من هذه الكتب التي تمثل هذا اللون من ألوان الأدب، كتاب (جنة الحيوان) الذي أخرجه عميد الأدب العربي للناس منذ قريب. وهذا الكتاب إنما هو صور نفسية دقيقة لبعض الشخصيات المعاصرة التي عرفها الكاتب العظيم معرفة خبرة وتجربة ثم صورها بقلمه الساحر القدير هذا التصوير الدقيق الذي يخلع عنها ما تصطنعه من العظمة، وتتكلفه من المظاهر، فتبدو أمامنا عارية إلا من مباذلها ونقائصها.

ومن خلال هذا التصوير الدقيق لتلك الشخصيات المعاصرة تظهر لنا الأفكار الإنسانية السامية، والمبادئ الاجتماعية النبيلة التي يعتنقها الكاتب العظيم عن يقين وإيمان، ويدعو إليها في قوة وإخلاص. وقد أصبحت هذه الأفكار والمبادئ في غنى عن التعريف بما أذاع عنها الأستاذ العميد، ودعا إليها في الصحف والمجلات والمنتديات.

وموقف الكاتب من شخصياته التي يصورها في هذا الكتاب يختلف تبعاً لطبيعة هذه الشخصيات، ومكانها من نفسه.

فهو يسخر من بعضها سخرية مرة، ويتهكم به تهكماً لاذعاً، كما يبدو في حديثه عن (ثعلب) و (الطفل) وأمثالها من الصور النفسية والنماذج البشرية. وهو يداعب بعضها مداعبة محرجة، ويعاتبه عتاباً مؤثراً، كما يبدو ذلك في (حديث القلوب) وهو في كل ما تحدث به في هذا الكتاب، صاحب القلب الإنساني الكبير الذي يقول بعد أن يعرض لما تشقى به بعض الأسر من دفع نفقات التعليم، ولما يفعله بعض كبار وزارة المعارف الذين تعلموا على نفقة الدولة، ثم يريدون أن يحرموا غيرهم من أن يتعلموا على نفقة الدولة كما تعلموا:

<<  <  ج:
ص:  >  >>