للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(اللهم اشهد إني ما ذهبت قط إلى الجامعة أو إلى وزارة المعارف إلا كانت هذه القصة ملء قلبي، وإلا ذكرت أني كنت سعيداً حين تعلمت على حساب الدولة، فمن الحق أن أتيح بعض هذه السعادة لأكبر عدد ممكن من شباب مصر، ولو استطعت لأتحتها لهم جميعاً. ومن يدري فما لم نستطعه أمس قد نستطيعه غداً. ولابد أن يبلغ الكتاب أجله، ولابد لمصر من أن تظفر بحقها من العدل في يوم من الأيام).

هذه كلمات لا يقولها إلا من كان ممتلئ النفس بحب الإنسانية، قوي العزم على العمل لتحقيق العدالة الاجتماعية. بل هذا اعتراف لا يصدر إلا عن صاحب (الأيام) وأمثاله من ذوي العظمة النفسية، والضمائر الحية.

وأسلوب طه حسين في هذا الكتاب هو أسلوبه في كل ما كتب. . . أسلوب سهل المفردات، واضح التركيب، ينساب في حرية، ويسترسل في طلاقة. وميزة هذا الأسلوب كامنة في موجاته الموسيقية الطويلة التي هي من خصائص الموسيقى التصويرية، ولهذا استطاع طه حسين أن يصور بهذا الأسلوب ما يشاء من المشاعر والأفكار تصويراً دقيقاً رائعاً مؤثراً. ومن عجائب هذا الأسلوب أن القارئ حين يقرؤه يظن بنفسه القدرة على الإتيان بمثله، فإذا حاول ذلك انقطع وتحير، وأنه يحتفظ بكل خصائصه الفنية حتى حين يتناول مشكلات المادة، وشئون المعيشة، ومطالب الموظفين!.

ونستطيع أن نقول إن أسلوب طه حسين هو خير نموذج للشعر الحر الذي يخلص من قيود الوزن الموحد، والقافية المشتركة: ولهذا فقد استطاع صاحب هذا الأسلوب أن يجعل نثره شعراً. . . شعراً موزوناً مقفى سواء أراد ذلك أم لم يرده؛ فقد بدأ الفصل الذي عقده في كتابه وسماه (الفانيات) بهذه العبارات المنثورة التي ننسقها تنسيق الشعر، ونسميها (طيف)، ونوردها فيما يلي:

من أين أقبلت يا ابنتي؟ ... من حيث لا تبلغ الظنون!

ماذا تريدين يا ابنتي؟ ... أقول ما لا تصدرون!

كيف تقولين يا ابنتي؟ ... أقول ما لا تصدقون!

أسرفت في الرمز يا ابنتي ... بل مالكم كيف تحكمون؟

وينظر الشيخ حوله ... فلا يرى من يحاوره

<<  <  ج:
ص:  >  >>