للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومران على الرسوم الهندسية وهلم جرا. ولهذا أطلقت كلمة فن على كثير من الحرف والصنائع كالتجارة والحدادة والتدريس والخطابة. ولكن الفن الجميل هو الترجمة عن الشعور بالجمال أو بالقبيح. وتنقسم الفنون الجميلة إلى الحفر والنحت والتصوير وهي فنون تمتع النظر فهي فنون بصرية، وإلى الموسيقى والشعر وهي فنون تمتع السمع فهي فنون سمعية. وقد جاء في لاروس أن الفن معروف عند العامة من الناس بجمع أو تركيب أشياء محسوسة بوساطة اللمس أو السمع لغرض الانتفاع منها مادياً أو أدبياً؛ فالصائغ مثلاً يجمع حبات الدر النضيد وقطع الذهب البراق كيما يصوغ منها قلائد وأقراطاً ابتغاء الزينة. وقل مثل هذا عن النجار الذي يصنع من قطع الخشب مناضد ومقاعد جميلة ابتغاء الجلوس وابتغاء الزينة بعد ذلك. أما في الموسيقى والشعر والحفر فالأمر يختلف فيها عنه في الصياغة والبناء؛ فالفنان لا يؤدي عمله ليترجم عن عاطفة جاشت في صدره أو لإحساس خلج قلبه، وهذا العمل قد لا يجدي نفعاً للإنسانية مثلما يجدي مقعد النجار أو بيت المهندس. ونعني بالفائدة الفائدة المادية لا الفائدة المعنوية، لأن الشعر والموسيقى فوائد معنوية كبرى لا يمكن أن يتطرق إليها النكران أو يرقى إليها الشك. . .

وأحب هنا أن أسجل ملاحظة لابد منها عن هؤلاء الشعراء أو أولئك الموسيقيين الذين يتكسبون بفنهم والذين يتخذون الفن وسيلة لعيشهم وذريعة إلى قضاء مآربهم؛ فهؤلاء الشعراء الذين يقفون على أعقاب الملوك والخلفاء والأمراء يكيلون لهم المديح كيلا براء من الفن، لأنهم لا يفكرون فيه بقدر ما يفكرون في العطايا والهدايا! حدثني بربك أي فن يتمثل في هذا البيت:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار=فأحكم فأنت الواحد القهار!

حدثني بربك أي فن يتمثل في هذا البيت وفي أمثاله ثم قل لي ألا يهدم هؤلاء الشعراء صرح الفن هدماً ويحطمونه تحطيماً. . .

هل فعلوا كما فعل لودفيج بيتهوفن عندما دعا إلى تأليف لحن موسيقي يصور انتصارات نابليون وعظمته وقوته وجبروته لقاء قدر عظيم من المال فألف هذا اللحن ثم لم يلبث أن لاح أمامه شبح الفن فمزق اللحن تمزيقاً.

العمل الفني إذاً تعبير عن شعور الفنان؛ ولكن ينبغي أن نقرر هذه الحقيقة وهي أن الذوق

<<  <  ج:
ص:  >  >>